الجبر ومن حدّ التفويض ، وهو قدير على ما يشاء ، فعّال لما يريد (١) ، فهذا مرّ الحقّ في كنه هذه المسألة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٢).
بسط وتحصيل
انّما المنتزع منه ، ومطابق الانتزاع للوجود المطلق الشامل الفطريّ التصوّر نفس ذات القيّوم الحقّ الواجب بالذات من دون حيثيّة ما أصلا ، لا تقييديّة ولا تعليليّة ؛ اذ الوجود هو شرح الذات المتقرّرة وحكاية عن حقّيّة الحقيقة ، لا وصف عينيّ أو ذهنيّ وراء نفس الذات المتقرّرة يقوم بها ، فيصحّح انتزاع الموجوديّة. فاذا كانت الذات متقرّر بنفسها كانت الموجوديّة منتزعة لا محالة من كنه نفسها من غير حيثيّة وراء بحت الذات أصلا ؛ فالوجود هناك عين الذات ، والماهية نفس الإنّية.
وأمّا الذات الجائزة (٣) فانّ تقررها [ب ـ ٣٩] وحقيقتها من تلقاء الجاعل لا من حيث نفسها وبحسب جوهرها ، فمطابق انتزاع الموجوديّة من الجائزات حيثيّة ارتباطها بالقيّوم الحقّ الواجب بالذاتي ـ جلّ ذكره ـ بالصدور عنه ، واستنادها اليه بالمجعوليّة لا حيثيّة جوهر الذات (٤).
__________________
فالعبد مختار في فعله حقيقة ، وفى اختياره مقهور لا مجبور ، وبين المقهورية المقصودة لنا هاهنا وبين المجبورية المنظورة لنا ، بون كالبون بين السماء والارض ؛ فان منزلة ظل الشيء عنه منزلة البائن من الشيء بمجرّد بينونة الحكم والصفة لا البائن بينونة العزلة ، كما في صورة الجبر المعروف ، وسرّ الأمر فيما ظهرنا وأشرنا به ، لأهل الاشارة هو ما قال قبلة الموحّدين على ـ عليهالسلام ـ : «توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة». (نورى)
(١) اقتباس من سورة هود ، ١٠٧ : «انّ ربّك فعّال لما يريد».
(٢) الاعراف ، ٤٣.
(٣) اعلم أنّ بناء قوله ـ قدسسره ـ هذا على اصالة الماهية في باب الجعل والمجعولية واستقلالها فيهما ، وبناء قولنا كما أشرنا على اصالة الوجود وتابعية الماهية فيهما ، وكلّ من الوجود والماهية مجعول عندنا حقيقة ، ولكن أحدهما وهو الماهية بوساطة الآخر. فتبصّر فإن فيه لجمعا بين الحقّين ، وكون الوجود اعتبارية بحتة ، كما هو مذهب طائفة باطل ، أو كان الماهية وهمية بحتة كما هو توهّم الصوفية كفر محض. (نورى).
(٤) لسائل أن يسأل هل يكون حيثية جوهر الذات المجعولة حيثية مغايرة بالذات والحقيقة لحيثية الصدور والاستناد والفيضان والارتباط ، أولا ؛ بل المغايرة انّما هي بمجرّد المفهوم والمعنى الانتزاعي ، فلو كانت المغايرة بالذات والحقيقة ، فيلزم حصول حيثيّتين مغايرتين بالذات.