يطلق على معنيين :
أحدهما : أمر اضافيّ يعرض للعلّة والمعلول من حيث يكونان معا ، وكلامنا ليس فيه.
والثاني : كون العلّة بحيث يصدر عنها المعلول ، وهو بهذا المعني متقدّم على المعلول ، ثمّ على الاضافة العارضة لهما ؛ وكلامنا فيه. وهو أمر واحد ان كان المعلول واحدا ، وذلك الأمر قد يكون هو ذات العلّة بعينها ان كانت العلّة علّة لذاتها ، وقد يكون حالة تعرض لها ان كانت علّة لا لذاتها ، بل بحسب حالة اخرى. أمّا اذا كان المعلول فوق واحد ـ فلا محالة يكون ذلك الأمر مختلفا ، ويلزم منه التكثّر في ذات العلّة ـ فليس بوزين في ميزان [الف ـ ٤١] التفتيش الغائص ولا بمعابر بمعيار الفحص البالغ.
أليس امكان ذات المعلول من المراتب المتقدّمة على هذه العلّيّة الحقيقيّة الغير الاضافيّة ، وليس هو بمتقدّم على مرتبة ذات العلّة بما هي بتّة!؟ وكون العلّة علّة لذاتها انّما يستلزم أن يكون ايجاد هذا المعلول لا أن يكون هو نفس مرتبة ذات العلّة بعينها بما هي هي (١) وافاضة المعلول الأوّل بخصوصه ليست هي الكمال المطلق حتّى تكون عين مرتبة ذات الجاعل على الاطلاق ، وكيف يصحّ أن تكون هي عين ذات الجاعل الحقّ؟
والقيّوم الواجب بالذات متعالى الذات بوحدته الحقّة عن الوحدة العدديّة على ما هو المنصرح لاولى العقل الصراح ، ووحدة افاضة المعلول الأوّل عدديّة على ما المعلول الأوّل وعلى وفقها ، فالجاعليّة بهذا المعنى هي الّتي عبّر «القرآن الكريم» عنها الأمر وقول كن (٢) (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) وعالم المفارقات انّما
__________________
(١) هذا محل كلام ، لا يسع المجال هاهنا لبيانه. ونفس المعلول الأوّل المسمّى بعقل الكلّ كون وحدته عدديّة غير مسلّم ، كيف لا!؟ وأنّه الكل في الكلّ ، فاحسن التأمّل! (نورى).
(٢) لا يخفي أنّ الجاعليّة الحقيقيّة الأمرية المعبّر عنها بقوله «كن» واحدة بالذات ، متكثّرة بتبعية تكثّر المتعلّقات ، وليست بحسب تجوهر ذاتها وقوام نفسها متكثّرة ، بل واحدة كما قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) [القمر / ٥٠] كيف لا ، وهي الفائض الصادر أوّلا وبالذات عن حضرة الذات الأحدية؟! ولقد تقرّر بالبرهان الباهر «أنّ الواحد لا يصدر عنه الا الواحد» فهى واحدة بالوحدة الحقة الظليّة ، أو منزلتها من حضرة الذات الأحدية منزلة الظلّ والصورة ، فالوحدة الحقة الغير العددية لها مرتبتان مترتبتان.
أوّلها : مرتبة كنه حضرة الذات الأقدس.