وانّ فريقا يعتبرون (١) انواع الجعل والايجاد على ضروب ثلاثة ، ويجعلون الصنع والتكوين نوعا واحدا متعلّقا بالحوادث الزمانيّة باعتبارين مختلفين صنعا بحسب اعتبار الحدوث الدهري ، وتكوينا بحسب اعتبار الحدوث الزمانيّ. ونحن فى «الصحيفة الملكوتيّة» وفي «تقويم الايمان» وفي «الرواشح السماويّة (٢)» آثرنا طريق التثليث ، وجعلنا الاحداث مستوعبا للأنواع الثلاثة ؛ وقلنا : مطلق الجعل والافاضة إمّا احداث دهريّ وهو ينقسم إلى الإبداع والاختراع ؛ وإمّا احداث زمانيّ وهو التكوين [والصنع] ، والصنع تارة يقابل التكوين ، فيشمل الابداع والاختراع ؛ وتارة يختصّ بالتكوين ، ولكن باعتبار الإحداث في الدهر لا بحسب الإيقاع في الزمان. وأفضل الأنواع : الابداع ، وأفضل الابداعات : إبداع الصادر الأوّل.
وفي طريق التثليث مسلك آخر ، هو مسلوك النمط الخامس من «الاشارات (٣)» لشريكنا السالف ، حيث جعل الأنواع الثلاثة ابداعا وتكوينا واحداثا ، والاحداث افاضة الوجود الزمانيّ مسبوقا بالزمان ؛ والتكوين إفاضة الوجود الماديّ مسبوقا بالمادّة بالذّات لا بالزمان ، فكلّ منهما يقابل الابداع من وجه ، وهو متقدّم عليهما ؛ اذ لا يتصحّح حصول [ب ـ ٤٣] المادّة بالتكوين ولا حصول الزمان بالاحداث ، والّا لزم أن يكون للمادّة الاولى مادّة وللزمان زمان. فالتكوين والاحداث مترتّبان على الابداع ، والابداع هو الأعلى منهما رتبة والأقدام حصولا والأقرب نسبة بالقياس الى جاعل كلّ شيء على الاطلاق.
ولكنّه قد خولف ذلك فى الرسالة «النيروزيّة» ذهابا الى مذهب التربيع في الأقسام حيث قال فيها بهذه العبارة : «موجد الوجود هو مبدع المبدعات ومنشي الكلّ ، وهو ذات لا يمكن أن يكون متكثّرا أو متغيّرا أو متحيّزا (٤) أو متقوّما بسبب في ذاته أو مباين
__________________
(١) هذا هو الحقّ الذي يجب أن يصدّق به عندنا. (نورى)
(٢) راجع : «الرواشح السماوية» ، الطبع الحجرى ، ص ١٣ ـ ١٦.
(٣) «شرح الاشارات» ج ٣ / ٦٧.
(٤) خ : متجزنا.