في الخير والشرّ
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (١)
أصل
الخير والشر معناهما ظاهر ، وهما أيضا يرجعان إلى الوجود والعدم ؛ لأنّ الوجود كله خير ، والشر لا ذات له ، بل هو عدم ذات ، أو عدم كمال الذات ؛ وذلك لأنّ الشر لو كان أمرا وجوديا ، فلا يخلو إمّا أن يكون شرا لنفسه ، أو لغيره ، والأوّل باطل ؛ لأنّ معنى كون الشيء شرا لشيء أن يكون معدما له ، أو لبعض كمالاته ليس إلّا ، والشيء لا يقتضي عدمه ، وإلّا لما وجد.
وكذا لا يقتضي عدم كماله ، كيف وجميع الأشياء طالبة لكمالاتها ، لا مقتضية لعدمها؟ مع أنّه لو اقتضى أحدهما لكان الشر ذلك العدم ، لا نفسه.
وكذا الثاني ؛ لأنّ كونه شرا لغيره ، إمّا لأنّه يعدم ذلك الغير ، أو يعدم بعض كمالاته ، فليس الشرّ إلّا عدم ذلك الشيء ، أو عدم كاله ، لا نفس الأمر الوجودي المعدم.
فالشرّ إمّا عدم ذات ، أو عدم كمال الذات ، وكل ما لا يكون كذلك فهو خير ، فالوجود من حيث إنّه وجود خير محض ، والعدم من حيث إنّه عدم شرّ
__________________
(١) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٣٥.