وصل
ولما كانت الملائمة والمنافرة ـ المعتبرتان في اللذّة والألم ـ ما يكون بالإضافة ، وملائم الشيء قد يكون غير ما يلائم الشيء الآخر ، كالغلبة للقوة الغضبية ، والمطعم والمنكح للقوة الشهوية ، والرجا للوهمية ، والعلوم والإدراكات للعقلية ، إلى غير ذلك ، فلا جرم كلّ لذيذ بالنسبة إلى شيء لا يجب أن يكون لذيذا بالنسبة إلى شيء آخر.
وكذا ما يكون لذيذا في حال أو في نشأة ليس بواجب أن يكون لذيذا في حال آخر، أو نشأة أخرى ، إلّا أن يكون ذلك الملذّ ملائما للملتذّ مطلقا ، وكذا القول في جانب الألم.
ولا بدّ أيضا من الشعور بالملائمة والمنافرة ؛ إذ لو كان غافلا عن ذلك لم يلتذّ ، ولم يتألّم ، ولهذا لا نلتذّ بالصحة والسلامة مع أنهما كمال وخير لنا ، فإنّ استمرار المحسوسات يذهل النفوس عن إحساسها ، ألا ترى إلى المريض الطويل المرض إذا عاد إلى الحالة الطبيعية مغافصة (١) غير خفي التدريج كيف يجد لذّة عظيمة؟
ومن هذا القبيل قلّة التذاذ بعض العلماء بعلمهم ، وقلّة تألّم الجهال بجهلهم ، أو عدم تألّمهم رأسا ، فإنّ سبب ذلك خروج أنفسهم عن مقتضى الطبيعة الأصلية بالعادات الردية ، والآفات العارضة ، والإلف مع المحسوسات والإخلاد إلى الأرض ، فإنّ هذه العوارض في النفس بمنزلة الخدر في العضو يمنعها عن
__________________
(١) ـ غافص الرجل مغافصة وغفاصا : أخذه على غرّة. (لسان العرب : ٧ : ٦١ ، مادّة : غفص).