وليس ذلك في العاقل فقط ، بل وفي العجم من الحيوانات ، فإنّ من كلاب الصيد ما يقتنص على الجوع ، ثمّ يمسكه على صاحبه ، وربما حمله إليه ، والراضعة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها ، وربما خاطرت محامية عليه أعظم من مخاطرتها في ذات حمايتها نفسها.
فإذا كانت اللذات الباطنة أعظم من الظاهرة ، وإن لم تكن عقلية ، فما قولك في العقلية؟ (١)
وصل
وطوبى وبشرى لعقول خاصية شريفة تمثّلت فيها جلية الحق الأوّل قدر ما يمكنها أن تنال منه ببهائه الّذي يخصه ، ثمّ يتمثّل فيها الوجود كله على ما هو عليه مجرّدا عن الشوائب ، مبتدئا فيه بعد الحق الأوّل بالجواهر العقلية الجبروتية ، ثمّ الروحانية الملكوتية ، والأجرام السماوية ، ثمّ ما بعد ذلك تمثّلا لا يمايز الذات.
قال بعض العلماء (٢) : لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم لحاربونا بالسيوف (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٣).
وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام أنّه قال : «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله تعالى ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع به الأعداء من زهر الحياة الدنيا
__________________
(١) ـ شرح الإشارات : ٣ : ٣٣٤ ، وهم وتنبيه.
(٢) ـ وهو إبراهيم بن أدهم. أنظر : تاريخ مدينة دمشق : ٦ : ٣٠٢ و ٣٠٣.
(٣) ـ سورة الإسراء ، الآية ٢١.