وإذا روّى الكاتب في كتابة حرف ، أو العوّاد في نقرة ، يتلبّد في صناعته ، فللطبيعة غايات بلا قصد ورويّة.
وقريب من هذا اعتصام الزالق بما يعصمه ، ومبادرة اليد في حكّ العضو من غير فكر ولا رويّة.
ثمّ إن للأمور الاتفاقية أيضا غايات لما يتأدى إليها ، وهي بالنسبة إلى أسبابها واجبات.
مثلا : من حفر بئرا فعثر على كنز ، فعثوره على ذلك الكنز واجب بالنسبة إلى ذلك الحفر في ذلك الموضع ، فهذا من باب الدائم بالقياس إلى هذا الفرد الجزئي ، وإن كان نادرا أقلّيا بالنسبة إلى سائر أفراد النوع.
فالأمور الموجودة بالاتفاق إنّما هي بالاتفاق عند الجاهل بأسبابها وعللها ، وأمّا بالقياس إلى مسبّب الأسباب ، والأسباب المكتنفة بها ، فلم يكن شيء منها اتفاقا ، فالأسباب الاتفاقية حيث تكون ، تكون لأجل شيء ، إلّا إنها أسباب فاعلية بالعرض ، والغايات غايات بالعرض ، وكذلك الفساد ، والذبول ، والموت ، والتشويهات ، والزوائد ، كلها غايات لما تتأدّى إليها ، ولها نظام لا يتغيّر ، كما لأضدادها ، وإن لم تكن مقصودة للطبيعة بالذات ، فالاتفاق غاية عرضية لأمر طبيعي ، أو إرادي ، أو قسري ، ينتهي إلى طبيعة أو إرادة ، فتكون الطبيعة والإرادة أقدم من الاتفاق لذاتيهما ، فما لم يكن أولا أمور طبيعية ، أو إرادية ، لم يقع اتفاقا.
فالأمور الطبيعية والإرادية متوجّهة نحو غايات بالذات ، والاتفاق طارىء عليهما إذا قيس إليهما ، وإذا قيس إلى أسبابه المؤدية إليه يكون غاية ذاتية له ، طبيعية أو إرادية.