الواحد من حيث هو واحد إن حدّد ما يليه بالقرب ، فلا يمكن أن يحدد ما يقابله ؛ لأن البعد عنه ليس بمحدود.
وأمّا التحديد بالجسمين فهو أيضا باطل ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون على سبيل إحاطة أحدهما بالآخر ، أو على سبيل المباينة ، والأوّل يقتضي دخول المحاط في التحديد بالعرض ؛ لأنّ المحيط وحده كاف في تحديد امتدادين بالقرب الّذي يتحدد بإحاطته ، والبعد الّذي يتحدد بأبعد حد من محيطه وهو مركزه ، فهذا القسم يرجع إلى ما كان المحدد جسما واحدا لا من حيث هو واحد.
وأمّا القسم الآخر ، وهو أن يكون بالمباينة ، فباطل لوجهين :
أحدهما : أن كلّ واحد من الجسمين لا يتحدّد به إلّا القرب منه ، ولا يتحدّد البعد عنه ، فإذن لا تتحدد الجهتان معا بكل واحد منهما.
وقلنا : إن المحدد يجب أن يحدد الجهتين معا ؛ وذلك لأنّه لا يجوز أن يكون التحدّد بجسمين متباينين ، باعتبار القرب فقط من غير احتياج إلى اعتبار البعد ، بأن يكون الجسمان المتباينان مختلفين بالطبع ، ويتحدد بقرب كلّ منهما واحدة من الجهتين ؛ لأنّ تينك الجهتين متقابلتان ، حتّى أن أيّ بعد فرض من أحدهما كالفوق ـ مثلا ـ في كلّ جانب يمتد إلى الجهة الأخرى الّتي يقابلها ، وهي السفل ، وبالعكس.
فعلى التقدير المذكور لا يلزم أن يكون البعد عن أحد الجسمين قربا من الآخر ؛ لاحتمال وقوعه في سمت غير الامتداد الواصل بينهما ، فالبعد عن أحدهما الّذي ليس قربا من الآخر يكون جهة حقيقية مغايرة لكلّ من جهتي القرب منهما ؛ إذ كلّ جهة راجعة إلى الجهة الحقيقية ، كما مرّ ذكره ، لكن المعلوم