وأشعّتها ، كما ثبت في مقامه.
ثم إنّ استكمال نفس الإنسان ، بحسب كلتي قوّتيه النظرية والعملية ، إنّما يتم بالحركات البدنية والفكرية ، والحركة تحتاج إلى الحرارة ، والحرارة والحركة متصاحبتان ، لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى.
وكما أن جميع الحركات في هذا العالم تنتهي إلى حركات الأفلاك ، سيّما الفلك الأقصى ، فكذلك جميع الحرارات الغريزية والأسطقسية تنتهي إلى أضواء الكواكب ، سيّما ضوء الشمس ، كما يظهر عند التفتيش والاعتبار والاستقراء.
ثم لا يخفى عليك أنّ كلّ مادّة مصوّرة بصورة أدنى ، إذا انتقلت إلى أن تلبس صورة أعلى ، فذلك إنّما يكون بأن يحصل لها بصورتها الأولى شبه التعفّن والهضم والانكسار ، كالحبّة المدفونة في الأرض ، فما لم تضعف صورتها الجمادية ولم تتعفّن باستيلاء الحرارة عليها لم تقبل صورة نباتية ، وكذا القياس في انتقالات النطفة في أطوارها النباتية والحيوانية.
وهكذا الحكم في الترقّيات الواقعة في النفس ، فإنها مسبوقة بانكسارات وانهضامات نفسانية منشؤها الحركات البدنية في النسك البدنية ، والحركات الفكرية في النسك العقلية ، والكلّ منوط بحركات الأفلاك والكواكب بأضوائها ، فانكشف أنّ الكمالات العلمية والعملية للنفوس الّتي بها تحصل حياتها الأخروية وبها يتم نعيمها وغذاؤها وطعامها وشرابها في الجنة ، إنّما يحصل بحرارة الطبيعة الدنيوية الّتي هي من جوهر نار الجحيم وسنخها.
أقول : وقد ظهر ممّا ذكرنا من البيانات والتبيانات أن كلّا من الجنة والنار ، وما فيهما من الملذّ والمؤذي ، إنّما تنشأ من النفس الإنسانية ، وكذلك جميع ما ورد في الشرع من أحوال الآخرة وأهوالها ، من السياق ، والصراط ، والميزان ،