في مبدأ الوجود ، وتوحيده سبحانه
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١)
أصل
قد اهتديت في مواضع ممّا أسلفنا من الأصول إلى آيات مبيّنات ، لوجود المبدأ ، ومبدأ الوجود عزّ اسمه ، بطرق متعدّدة :
فمنها : آية أصل الوجود ، فإنّه إن كان قائما بذاته غير متعلّق بغيره أصلا ، فهو الله المبدأ المبدىء ، وإن كان قائما بغيره ، وذلك الغير يكون وجودا أيضا ؛ إذ غير الوجود لا يتصور أن يكون مقوّما للوجود ، فننقل الكلام إليه ، وهكذا إلى أن يتسلسل ، أو يدور ، أو ينتهي إلى وجود قائم بذاته ، غير متعلّق بغيره أصلا.
ثم جميع تلك الوجودات المتسلسلة ، أو الدائرة ، في حكم وجود واحد في تقوّمها بغيرها ، وهو الله القيّوم جلّ ذكره.
ومنها : آية الإمكان والفقر ، فإنّه لو لم يوجد الواجب ـ أعني الغني بالذات ـ لم يوجد الممكن ـ أعني المستغني بالغير ـ فلم يوجد موجود أصلا ؛ لأن ذلك الغير على هذا التقدير مستغن بالغير ، فإمّا أن يتسلسل ، أو يدور ، وعلى التقديرين جاز انتفاء الكلّ بأن لا يوجد شيء منها أصلا ، فلا بدّ من مرجّح خارج
__________________
(١) ـ سورة الحديد ، الآية ٣.