الأشياء بقيامها به.
ولا تنظروا إلى وجوه الأشياء الّتي إلى أنفسها ، أعني من حيث إنها أشياء ، لها ماهيات لا يمكن أن توجد بذاتها ، بل مفتقرة إلى موجد يوجدها ، فإنكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم الله بالأشياء ، يعني أتيتموه بها ، وأقررتم بوجوده فحسب ، فلن تعرفوه ـ إذن ـ حق المعرفة ، فإنّ معرفة كون الشيء مفتقرا إليه في وجود الأشياء ليست بمعرفة له في الحقيقة ، على أن ذلك غير محتاج إليه ؛ لأنها فطرية ، بخلاف النظر الأوّل ، فإنكم تنظرون في الأشياء أولا إلى الله عزوجل وآثاره من حيث هي آثاره ، ثمّ إلى الأشياء وافتقارها في أنفسها.
فإنّا إذا عزمنا على أمر ـ مثلا ـ وسعينا في إمضائه فلم يكن علمنا أن في الوجود شيئا غير مرئي الذات يمنعنا عن ذلك ، وعلمنا أنّه غالب على أمره ، وأنّه مسخّر للأشياء على حسب مشيئته ، ومدبّر لها على حسب إرادته ، وأنّه منزّه عن صفات أمثالنا ، وهذه صفات بها يعرف صاحبها بعض المعرفة ، وفي هذه الطريقة السالك ، والمسلك ، والمسلوك منه ، والمسلوك إليه ، كلّه واحد ، وهو البرهان على ذاته تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (١).
وبعد هذه الطريقة في الإحكام والشرف ، طريقة معرفة النفس ، كما أشير إليه بقولهعليهالسلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (٢) ، «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه» (٣) ، وفي هذه الطريقة يكون المسافر عين الطريق ، فيمتاز عن سائر الطرق
__________________
(١) ـ سورة آل عمران ، الآية ١٨.
(٢) ـ عوالي اللئالي : ٤ : ١٠٢ ، عن النبي صلىاللهعليهوآله.
(٣) ـ جامع الأخبار : ٤.