وسلب النقائص عن جنابه ، ونفي النعوت الكونية الحدوثية عنه ، فالعقول مطبقة على ذلك، ولو كان المراد الإلهيّ من معرفته هذا القدر لكان بالعقول استغناء عن إنزال الشرائع والكتب ، وإظهار المعجزات والآيات لأهل الحجب ، ولكن الحق سبحانه وتعالى غنيّ عن تنزيه العقول بمقتضى أفكارها المقيّدة بالقوى الجزئية المزاجية ، وتتعالى عن إدراكها ما لم تتّصل بالعقول الكلية ، فاحتاجت من حيث هي كذلك في معرفته الحقيقية إلى اعتناء ربّاني ، وإلقاء رحماني ، يهبها استعدادا لمعرفة ما لا تستقلّ العقول البشرية بإدراكه ، مع قطع النظر عن الفيض الإلهي ، فلما جاءت ألسنة الشرائع بالتنزيه والتشبيه والجمع بينهما كان الجنوح إلى أحدهما دون الآخر باستحسان فكري ، تقييدا أو تحديدا للحق بمقتضى الفكر والعقل من التنزيه عن شيء ، أو أشياء ، أو التشبيه بشيء أو أشياء ، بل مقتضى العقل المنصف للمتّصف بصفة نصفه أن يؤمن بكل ما وردت به الشرائع على الوجه المراد للحقّ من غير جزم بتأويل معيّن ، ولا جنوح إلى ظاهر المفهوم العام مقيّدا بذلك ، ولا عدول إلى ما يخرجه عن ظاهر المفهوم من كلّ وجه محدّدا لذلك ، فإنّ الحق منزّه في عين التشبيه ، ومطلق عن التقيّد والحصر في التشبيه والتنزيه ؛ وذلك لأنّ التنزيه عن سمات الجسمانيات وصفات المتحيّزات تشبيه استلزامي ، وتقييد تضمني بالمجرّدات العرية عن صفات الجسمانيات من العقول والنفوس الّتي هي عرية عن سمات المتحيّزات ، برية عن أحكام الظلمانيات ، والتنزيه عن الجواهر العقلية والأرواح العلية والنفوس الكلية أيضا تشبيه معنوي بالمعاني المجرّدة عن الصور العقلية ، والنسب الروحانية والنفسانية ، والتنزيه عن كلّ ذلك أيضا إلحاق للحق بالعدم ؛ إذ الموجودات المحقّقة الوجود ، والحقائق المشهودة على النحو المعهود ، منحصرة في هذه الأقسام الثلاثة ، والخارج عنها تحكّم وهمي ، وتوهّم تخيّلي ، لا علمي ؛ وذلك