يتعاضدان ، بل يتّحدان ، ولكون الشرع عقلا من خارج. سلب الله اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن ، نحو : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١).
ولكون العقل شرعا من داخل ، قال تعالى في صفة العقل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ، فسمى العقل دينا.
ولكونهما متّحدين قال : (نُورٌ عَلى نُورٍ) ، أي نور العقل ، ونور الشرع ، ثمّ قال: (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) (٣) ، فجعلهما نورا واحدا ، فالعقل إذا فقد الشرع عجز عن أكثر الأمور ، كما عجزت العين عند فقد النور.
واعلم أنّ العقل بنفسه قليل الغناء ، لا يكاد يتوصّل إلّا إلى معرفة كلّيات الشيء ، دون جزئياته ، نحو أن يعلم جملة حسن اعتقاد الحق ، وقول الصدق ، وتعاطي الجميل ، وحسن استعمال المعدلة ، وملازمة العفّة ، ونحو ذلك ، من غير أن يعرف ذلك في شيء شيء.
والشرع يعرّف كلّيات الشيء وجزئياته ، ويبيّن ما الّذي يجب أن يعتقد في شيء شيء ، وما الّذي هو معدلة في شيء شيء ، ولا يعرف العقل ـ مثلا ـ أنّ لحم الخنزير والدم والخمر محرّمة ، وأنّه يجب أن يتحاشى من تناول الطعام في وقت معلوم ، وأن لا ينكح ذوات المحارم ، وأن لا يجامع المرأة في حال الحيض ، فإنّ أشباه ذلك لا سبيل إليها إلّا بالشرع ، فالشرع نظام الاعتقادات
__________________
(١) ـ سورة البقرة ، الآية ١٧١.
(٢) ـ سورة الروم ، الآية ٣٠.
(٣) ـ سورة النور ، الآية ٣٥.