أذهاننا ، وغايات وحكما ، محجوبة عن أعين بصائرنا ، وإنّ الجهل بالشيء لا يستلزم نفيه ، فإنّ إنكار أحد طرفي الممكن من غير حجّة ليس إلى الحق أقرب من الإقرار بطرفه الآخر من غير بيّنة. فعليك الاعتصام بحبل التوقّف في كلّ ما لم يبرهن استحالته لك.
قال بعض العلماء : لا يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يقضي العقل باستحالته ، نعم يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يقصر العقل عنه ، بمعنى أنّه لا يدرك بمجرّد العقل ، ومن لا يفرق بين ما يحيله العقل ، وبين ما لا يناله العقل ، فهو أخسّ من أن يخاطب ، فليترك وجهله (١).
أصل
ليس شيء من الموجودات إلّا وله خاصية ذاتية ، ولوجوده حكمة عظيمة ، وسرّ غريب ، لا يوجد في غيره.
قال الله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٢) ، (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣).
إلّا أنّ الناس لا يتعجّبون ممّا تكرر مشاهدتهم إيّاه ، وإنّما يتعجّبون من النوادر وإن كان المتكرر أجلّ حكمة ، وأعظم أمرا ، وأعجب فعلا من النادر ،
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ٢ : ٣٢٢ ، وقد نقله عن الغزالي.
(٢) ـ سورة ص ، الآية ٢٧.
(٣) ـ سورة الدخان ، الآية ٣٩.