وعدم اعتبار الشيء ليس باعتبار لعدمه ، وذلك المعنى يسمى ب «الماهية» (١) ، و «العين الثابت» (٢) ، وهي ليست بموجودة بالذات ، بل بالعرض ، أي بتبعيّة الوجود ، لا كما يتبع الموجود الموجود ، بل كما يتبع الظلّ للشخص ، والشبح لذي الشبح.
ومن هنا قيل : الأعيان الثابتة ما شمّت رائحة الوجود (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (٣).
سؤال : هب أنّ ثبوت الشيء للشيء فرع لثبوت المثبت له ، لكن الوجود إنّما هو ثبوت الشيء ، لا ثبوت الشيء للشي؟
جواب : فالوجود ـ إذن ـ غير زائد على الشيء ؛ إذ لو كان زائدا لكانا شيئين ، أحدهما ثابتا للآخر.
سؤال : لم لا يجوز أن يكون المسمّى بالماهية هو الأصل في التحقّق ، ويكون الوجود معنى اعتباريا ، منتزعا منه ، لا تأصّل له حتّى يجري فيه الترديد المذكور في البرهان؟
جواب : لأن الماهية قبل انضمام الوجود إليها ، أو اعتبار الوجود معها ، أو صيرورتها بحيث يمكن انتزاع الوجود عنها ، غير موجودة ، وأنها إذا اعتبرت بذاتها لا مع اعتبار الوجود ، وإن كان بعد الوجود ، فهي غير موجودة ، ولا معدومة ، فإذن لو لم يكن وجود ، ولو بالاعتبار والانتزاع ، لم توجد ماهية ، وما لم توجد ماهية لم يمكن ثبوت وجود لها ، ولا انضمامه إليها ، ولا اعتباره معها ،
__________________
(١) ـ باصطلاح الحكماء.
(٢) ـ باصطلاح العرفاء.
(٣) ـ سورة النجم ، الآية ٢٣.