المدرك ، وذلك إمّا بخروجه من ذاته إلى أن يصل إليه ، أو بإدخاله إياه في ذاته ، وخروج الشيء من ذاته محال ، وكذا دخول الشيء في ذات آخر ، إلّا أن يتّحد معه ويتصور بصورته.
وقال أستاذنا ـ مدّ ظلّه ـ : لو لم تكن ذات العالم مصوّرة بصورة المعلوم فبأيّ شيء يناله؟ أبذاته العارية من تلك الصورة ينال تلك الصورة؟ هذا محال ، وهل هو إلّا مثل أن يبصر الأعمى شيئا ، كيف (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١).
أو ينال تلك الصورة بتلك الصورة ، فما لم يدرك تلك الصورة أولا كيف يدرك بها؟ وإلّا فتكون تلك الصورة عالمة ومعلومة ، والمفروض خلافه.
أو ينالها بصورة أخرى ، فننقل الكلام إلى تلك الأخرى جذعا ، ويتسلسل.
ولا يجوز أن يكون إدراكه لها بمجرّد حصولها له ، حصول موجود مباين لموجود مباين ، كوجود السماء والأرض لنا ، أو أمر عارض ؛ وذلك لأنّ الحاصل في مثل ذلك ليس إلّا إضافة محضة ، والإضافة من أضعف الأعراض وجودا ، بل وجودها وجود الطرفين على وجه إذا عقل أحدهما غفل الآخر ، فهذا حظّها من الوجود ، لا أن لها صورة في الأعيان.
ثم إنّ وجود الإضافة إلى شيء غير وجود ذلك الشيء ، فإنّ إضافة الدار والفرس والغلام لنا لا يوجب وجود شيء منها لنا ، أو فينا ، نعم ربّما حصلت صورها لذاتنا ، أو لقوانا ، والكلام عائد في تلك الصور وكيفية حصولها لنا ، أهي بمجرّد الإضافة ، أو بالاتّحاد معنا؟ فإن كان بمجرّد الإضافة فحصول الإضافة
__________________
(١) ـ سورة النور ، الآية ٤٠.