جهة القوّة في الوجودات ، فليس لها في نفسها ذات يصحّ أن تدرك شيئا وتعلمه حتى تدرك الصور الحاصلة فيها هذا الحصول ، فإنّ ما ليس له حصول في نفسه كيف يحصل له شيء؟
وإذا لم تكن الصور الخارجية للأجسام ممّا يصح أن يحصل لها شيء الحصول المعتبر في العلم ، ولا هي حاصلة لما يصحّ له أن يعلمها ، فليست هي عالمة بشيء أصلا ، ولا لشيء أن يعلمها بعينها كما هي ، فهي إذن معلومة بالقوة لا بالفعل ، بمعنى أنّ في قوّتها أن تنتزع منها صورا فتعلم تلك الصور.
لست أقول : إنّ متعلّق العلم هو هذه الصورة بعينها بعد انتزاعها ؛ لاستحالة انتقال المنطبعات في المواد. بل أقول : صور أخرى مثلها.
فالمعلوم بالذات من كلّ شيء ليس إلّا صورا إدراكية قائمة بالنفس ، متّحدة معها ، لا صورا مادية خارجية ، سواء كان العلم بطريق الإحساس ، أو بغير ذلك ، فالمعلوم بالفعل لا يكون معلوما لغير عالمه ، فكلّ عالم فمعلومه غير معلوم عالم آخر ، بل هو متّحد بمعلومه ، بل هو بعينه العالم والمعلوم والعلم ، فافهم واغتنم.
وصل
الأجسام لما كانت بمنزلة ظلال للموجودات الغيبية القائمة بذواتها ، ولها نحو اتحاد معها ، لقيّوميّتها إياها ، وتلك الوجودات عالمة بذواتها ومعلومة لها ؛ لأن وجوداتها لأنفسها ، فالأجسام أيضا من هذه الجهة ، لها علم وشعور بقدر اتصالها بها ، وبحسب وجوداتها.