ألا ترى إلى الحجر المرمي إلى فوق ـ مثلا ـ كيف يتحرّك إلى تحت ، ولو لم يكن له شعور بأنّ المكان التحتي أوفق له ، وبطبعه لما تحرّك إليه ، إذ لو لم يكن له في ذلك مقتض ذاتي لما فعله بالذات ، وإذ لم يكن لمقتضاها وجود إلّا أخيرا فله نحو من الثبوت أولا ، المستلزم لنحو من الشعور ، وإن لم يكن على سبيل القصد والرويّة ، كما في القرآن المجيد (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١).
ثمّ ألم تنظر إلى إناث النخل وميلانها إلى صوب بعض ذكرانها ، وإلى سائر الأشجار ، وميل عروقها إلى جانب الماء في الأنهار ، وانحرافها في الصعود عن الجدار ، وإخراجها الأوراق الكثيرة بين الفواكه لتسترها عن صنوف الآفات ، ويبقى لبّ الثمار ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، فيتبين أن العلم والشعور إنّما يكون بقدر الوجود ، فما يكون وجوده أقوى فعلمه أقوى ، وما يكون وجوده أضعف فعلمه كذلك. فالعلم والجهل للأشياء هما عين الوجود والعدم لها.
__________________
(١) ـ سورة الإسراء ، الآية ٤٤.