فكلّ ما قيل أو يقال في باب الوجود من الأحكام ، كالبساطة ، والغنى عن التعريف، وانتفاء الحدّ والرسم عنه ، وثبوت الشدّة والضعف ، والتقدّم والتأخّر له ، وكونه غنيّا وفقيرا ، وجاعلا ومجعولا ، ومتعيّنا بذاته ، وغير ذلك ، تصدق كلها في باب النور ؛ لأنّ الوجود والنور حقيقة واحدة ، وأقسام كلّ منهما هي بعينها أقسام الآخر ، لا تغاير بينهما ، إلّا بحسب تغاير الاصطلاحات ، كذا أفاد أستاذنا ـ دام ظلّه ـ.
قال : وأمّا المسمّى بالنور عند الجمهور ، كنور الكواكب ، ونور النار ، وغير ذلك من الأضواء ، فليس بنور حقيقي خالص ؛ لأنّ نوريّته وظهوره إنّما هو بالإضافة إلى القوّة الباصرة فقط ، وأمّا بالنسبة إلى سائر الحواس فهو ظلمة وخفاء ، لا خبر لها عنه أصلا ، ونسبة المبصر إلى المبصر كنسبة المسموع والمشموم إلى السامعة والشامّة ، وكذلك غيرها ، لا فرق بينها إلّا فيما يرجع إلى شدّة الوجود وضعفه ، فإنّ قوّة الباصرة لما كانت أقوى الحواس والمدرك دائما من باب المدرك ، فمدركات الباصرة تسمى بالنور بحسب العرف لأجل ذلك ، وإلّا فكما أنّ الضوء ظاهر بذاته عند الباصرة ، مظهر لغيره ، من معروضاته عليها ، فكذلك الصوت ظاهر بذاته للسامعة ، مظهر لغيره من معروضاته عليها ، فيقال : صوت الرعد ، وصوت الرحى ، وكذلك الريح ظاهر بذاته للشامّة ، مظهر لغيره من معروضاته عليها ، فيقال : ريح المسك ، وريح الورد ، وهكذا في سائر المدركات.
وكما أن الصوت لا يظهر ، ولا يظهر لغير حاسّة السمع ، والطعم لا يظهر ولا يظهر لغير حاسة الذوق ، فالضوء أيضا لا يظهر ولا يظهر على غير حاسّة البصر ، فلا فرق بينها في النورية أصلا.
قال في الفتوحات : لو لا النور ما أدرك شيء ، لا معلوم ، ولا محسوس ، ولا