مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١).
وليسوا كالإنسان الواحد الّذي يتولى بنفسه ـ مثلا ـ الطحن أولا ، ثمّ تمييز النخالة عنه ، ودفع الفضلة ثانيا ، وصب الماء عليه ثالثا ، والعجن رابعا ، وقطعه كرات مدوّرة خامسا ، وترقيقها رغيفا سادسا ، وإلصاقها بالتنوّر سابعا ؛ وذلك لأن هذا نوع اعوجاج وعدول عن السنّة الإلهية ، سببه اختلاف صفات الإنسان واختلاف دواعيه ، وانقسام قواه ؛ لضرورة وقوعه في عالم العدد والقسمة والتفرقة ؛ ولذلك يرى الإنسان الواحد يطيع الله مرّة ، ويعصيه أخرى ؛ لاختلاف دواعيه ؛ وذلك غير ممكن في طباع الملائكة ، فلا بد في النبات إذن من ملك يزيد في أقطاره الثلاثة على نسبة لائقة محفوظة إلى أن يبلغ إلى كمال النشؤ ، ومن ملك يقطع فضلة من مادته ليكون مبدأ لشخص آخر ، ولمّا توقّف فعل الأوّل على التغذّي ، فلا بد من سبعة أملاك أخر ، لا أقل يخدمونه في هذا الأمر :
أوّلهم عملا ملك لا بدّ منه لجذب الغذاء إلى جوار جسم المغتذي ؛ وذلك لأن الغذاء لا يمكن أن يصل بنفسه إلى جميع الأطراف ؛ لأنّه ـ لا محالة ـ إمّا أن يكون ثقيلا ، فلا يصل إلى الأطراف العالية ، أو خفيفا فلا يصل إلى الأطراف السافلة.
والثاني لا بدّ منه لإمساك الغذاء في جواره ؛ وذلك لأنّ الغذاء بعيد المشابهة أوّلا ، فلا بد فيه من الاستحالة حتّى يحصل الشبه ، والاستحالة حركة ، والحركة إنّما تكون في زمان، فلا بدّ من زمان في مثله تحصل الاستحالة والتشبّه.
والثالث لا بدّ منه لنزع الصورة عن الغذاء ، وخلعها ؛ وذلك لأنّ تشبيه
__________________
(١) ـ سورة الصافات ، الآية ١٦٤.