الملموسة ، ويلتذّ بها ، وقد يتألّم ويلتذّ بغير توسّط كيفية من المحسوس الأوّل ، بل يتفرّق الاتصال والتئامه كما في تأثره من الحرارة الشديدة ، هذا.
وإن كان المدرك للكل هي النفس ، وهي في الحقيقة الشامّ والذائق ، واللامس ، كما أنها هي السميع البصير ، إلّا أن هاتين القوتين أقرب إلى أفق النفس من تلك ، ومدركاتها أبعد من مادّة البدن.
والسر في ذلك ما أفاد أستاذنا ـ دام ظله ـ وهو أنّ الحيوان بما هو حيوان تتقوّم مادّة حياتة من مدركات قوّة اللمس ؛ لأنّه تتقوم بها مادّة بدنه ، ولهذا لا يخلو حيوان عن هذه القوّة.
ثم مدركات الذائقة في الحيوانات المرتفعة درجتها قليلا عن أدنى المراتب ، فيفتقر إلى أغذية مخصوصة ، وتالي الكيفيتين في الملائمة والمنافرة مدركات الشامة حيث تتغذّى بها لطائف الأعضاء ، كالأرواح البخارية ، ولكن ليس حاجة الحيوان بها كحاجته إلى الأولين ، فيمكن بقاؤه بدونها.
وأمّا مدركات السامعة والباصرة فليس يحتاج الحيوان ـ بما هو حيوان ـ إليها ؛ لأنّ بدنه ليس متقوّما بالأصوات ، ولا من الأضواء والألوان ، ليكون ما كان من نوعها ، أو جنسها ملائما ، أو مضادا له ، بما هو حيوان ، بل بما هو إنسان ، أو ذا نفس شريفة جاءت من عالم الأنوار ، ومعدن النسب العددية الفاضلة ، كالنفس الإنسانية الفائضة على البدن العنصري من عالم النور ، ومعدن السرور ، فتلتذّ من الأنوار الحسّية ، والأصوات اللذيذة ، وتتألّم بضدّها ، أو عدمها (١).
ثم البصر أشرف من السمع ، وألطف ، لكون ما يدركه كأنوار الكواكب
__________________
(١) ـ أنظر : الشواهد : ١٩٢.