الثابتة أبعد من قوّة مادّة هذه الآلة ، ممّا تدركه قوّة السمع ، كأصوات الرعد من آلتها ؛ إذ المدرك كالمدرك في المنزلة والرتبة.
وأمّا فهم المعاني من الألفاظ فهو من تصرّف العقل فيها.
والشم ألطف من الذوق ؛ لأنّ مدركاته أدق من مدركات الذائقة ، وآلته ألطف ؛ لأنها جرم بخاري هوائي ، وآلة الذوق جرم لعابي مائي.
والذوق ألطف من اللمس ؛ لأنّ مدركاته أدق ، وآلته ألطف ؛ إذ آلة اللمس في الأكثر أجرام كثيفة خشنة ، فنسبة الشم إلى الذوق في اللطافة كنسبة الذوق إلى اللمس ، واللمس أكثف الحواس ، ولواهب الكلّ الحمد.
فصل
وأمّا المدارك الباطنة فخمسة أيضا ؛ لأنها إمّا مدرك ، وإما حافظ ، وإما متصرف ، والأوّلان إمّا للصور ، أو للمعاني.
فمدرك الصور هو الحس المشترك ، وهو قوّة متعلّقة بمقدم التجويف الأوّل من الدماغ ، تجمع عندها صور المحسوسات الظاهرة بأسرها بالتأدّي إليها من طرق الحواس ، من جهة الأعصاب الحاملة للروح البخاري ، فهو كحوض ينصبّ إليه الماء من أنهار خمسة ، لو لاها ما يمكن لنا الحكم بالمحسوسات المختلفة دفعة ، كهذا السكر أبيض حلو ، على سبيل المشاهدة ، ولا أمكنت مشاهدة النقطة الجوّالة بسرعة دائرة ، والقطرة النازلة خطّا مستقيما ؛ لأنّ المشاهدة بالبصر ليست إلّا للمقابل ، وما قابل منهما إلّا نقطة ، وقطرة.
وهذه القوّة إنّما تجمع القوى الخمس ؛ لعلو نشأة الباطن ، فإنّ الوجود كلما