كان أشرف كان أجمع للمعاني الكمالية ، وكلما كان أبسط كان أكثر أفعالا على ترتيب الأشرف فالأشرف ، فالمعاني المترفقة في الحواس الخمس مجتمعة في الحس المشترك ؛ لكونها أشدّ نزولا في عالم المواد منه ، فهي بمنزلة آلات له تورد مدركاتها إليه ، وهو يقبلها.
كما أن للنفس أفاعليل مختلفة بواسطة تكثّر القوى ، والآلات ، وحامل هذه القوّة في اللين واللطافة والبطون ، يناسبها في لطافتها ، وبطانتها ، وصفاء مدركاتها ، حيث لا تحتاج إلى حضور المادّة الّتي تجرّدت هي منها.
كما أن مواضع الحواسّ الظاهرة على اختلافها ـ لطافة ، وكثافة ـ تناسب قواها ومدركاتها ، فللحيوان الكامل في ذاته سمع ، وبصر ، وشم ، وذوق ، ولمس ، يستعملها ، ويدرك بها الأشياء ، وإن ركدت وتعطّلت هذه الحواس ، كما عند النوم.
والحواس والمحسوسات في الظاهر والباطن ، وباطن الباطن ، ليست بحسب الماهية ، إلّا هذه الخمس ومدركاتها ، إلّا أنها كلما قويت وعلت مالت إلى الوحدة والتجرّد ، وكلما ضعفت ودنت مالت إلى التكثر والتجسّم.
وحافظ الصور هو الخيال ، ويقال له المصوّرة ، وهو قوّة متعلّقة بآخر التجويف الأوّل من الدماغ ، يجتمع عندها مثل المحسوسات ، ويبقى فيها ، وإن غابت موادّها عن الحواس ، فهي خزانة للحس المشترك ، ولو لاها لما يمكن لنا الحكم على شيء شاهدناه ، ثمّ ذهلنا عنه ، ثمّ شاهدناه مرة أخرى بأنه هو الّذي شاهدناه من قبل ؛ إذ لو لم يكن محفوظا لم يمكن لنا هذا الحكم ، وهي أيضا جامعة للخمس الظاهرة بوجه آكد من الحسّ المشترك ؛ لأنّ شأنه الفعل ، وشأن ذاك الانفعال ، بل هي في الحقيقة تمام ذاك وتأكّده ، ليس أمرا مغايرا له.