في تجرّد نفس الحيوان الكامل
(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١)
فصل
قد ذكرنا فيما سبق أن النفس الحيوانية إن كانت متعلقة (٢) في نشأة الملكوت ، أي لها أن تبقى بعد بوار البدن ، فهو الحيوان الكامل ، وإلّا فالناقص ، فكان من الواجب علينا أن نبيّن أن نفوس بعض الحيوانات ممّا يجوز لها الاستقلال والبقاء من دون أبدانها العنصرية ، حتّى يثبت التقسيم المذكور ، وما بنينا عليه ، وإن كنا قد نبّهنا على ذلك في مواضع ممّا ذكر، إلّا أنه يحتاج بعد إلى بيان ، وبرهان ، فنحن الآن بصدد ذلك ، وإن لم يمكننا أن نعيّن لذلك نوعا خاصا من الحيوان ، أو أفرادا خاصة ، فيمنع استقلال النفس فيما سوى ذلك ، بل نحيل العلم فيه إلى الله سبحانه ، والراسخين في العلم ، فإنّ البراهين الّتي قادتنا إلى ذلك منها ما يشمل غير الإنسان ، ومنها ما يختصّ به ، بل ببعض أفراده ، والشرع دلّ على أن أفراده قاطبة كذلك ، حتّى السقط ، ولم يدلّ على الباقي دلالة يصحّ الاعتماد عليها.
__________________
(١) ـ سورة المؤمنون ، الآية ١٤.
(٢) ـ مستقلّة (خ ل).