وعندنا براهين تدلّ على أن من أفراده من له مع ذلك نفس جبروتية ، كلية ، من العالم العقلي ، لها ملكة إدراكات الكليات إدراكا قويا نورانيا ، وهو الّذي سمّيناه الإنسان بما هو إنسان ، أخذا من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما يأتي.
فلنذكر البراهين والشواهد على تجرّد النفس الحيوانية على الجملة ، ثمّ نذكر ما يختصّ بالإنسان ، بما هو إنسان ، من الأحكام ، ومن الله التأييد.
فصل
قد دريت أن القوى النفسانية متّحدة مع النفس ، وإنما هي جهاتها واعتباراتها ، وإن الخيال يشتمل عليها كلّها على وجه أعلى ، وأشرف ، سوى الوهم الّذي هو جهة رجوع النفس إلى العالم العقلي ، ولا ذات له سوى الإضافة ، وكذا الحافظة الّتي هي ترجع في الحقيقة إلى الحقيقة العقلية ؛ إذ المعاني إنّما هي مخزونة في ذلك العالم ، وكذا المتصرفة الّتي هي كالوهم في كونها إضافة إلى محسوسات ومعقولات.
فأما سائر القوى ذوات الحقائق فهي منطوية في الخيال ، فتحدس من هذا أن النفس الحيوانية المخدومة لهذه القوى ، أعني سلطان هذه البنية المحسوسة ، مع مشاعرها وقواها ، هي بعينها النشأة الخيالية للحيوان ، ولكنها من حيث تعلّقها بالآلة المخصوصة من البدن قوّة خيالية ، ومن حيث إنها ذات رجوع ما إلى عالم القدس وإن كان رجوعا ضعيفا ، حيث إنها إنّما تدرك المعقولات مضافة إلى الحس ، ومتعلّقة به ، ولا تستطيع أن تدركها مجرّدة عن الموادّ ، نفس حيوانية ، فهي كأنها خيال خارج من حدّ القوّة والضعف إلى حدّ الفعلية والكمال.