جرم فلكيّ ، فلا محالة إمّا أن يؤثر فيها تأثيرا كتأثير جسماني في جسماني ، بمشاركة الوضع ، كإضاءة الشمس وجه الأرض ، أو تسخينها له ، فذلك لا يكون إلّا بحسب المواجهة ، ويأتي الأثر من جانب الظاهر للجسم ، فيتأثّر أولا ظاهره ، ثمّ يسري في باطنه ، وإذا وقع حجاب يزول الأثر ، وليس الأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل.
وإما أن يكون تأثيره فيها على سبيل الإعداد وتهيئة الموادّ ، ويكون الفاعل فيها أمرا روحانيا ، من جانب الله ، فوق الأفلاك ، فذلك تأثير يأتي في باطنها وطبيعتها أولا ، ثمّ يسري إلى ظاهرها ، ومنه إلى غيرها ، فهذا يدلّ على أن لها صورة ذاتية ، لها قوّة الحرارة والتسخين ، مخالفة لسائر العناصر ، وهو المطلوب.
وكذا الكلام لو كان المؤثر فيها أولا من الروحانيات ، من جهة الله سبحانه ؛ لأن مثل هذا التأثير لا يكون أولا إلّا في بواطن الأجسام وغرائزها ، ومنها إلى ظواهرها ، أو ظواهر ما يجاورها.
وأيضا فإنّ الهواء إذا خلّي وطبعه لم يكن محرقا ، وإذا صار محرقا فهو إمّا لمجاورة صورة محرقة ، وإما لانقلاب صورته إلى صورة محرقة نارية ؛ لما دريت بالبرهان أن كلّ فعل جسماني، أو صفة جسمانية ، فلا بدّ له من الانتهاء إلى مبدأ ذاتي ، كذا أفاده أستاذنا ـ دام ظلّه ـ.
قال : بل التحقيق أن كلّ ما يفعل مثل هذه الآثار الّتي تصدر عن النار فهو ذو صورة مسخّنة نارية ، ما دامت على تلك الحالة ؛ إذ لا مانع عن ذلك بعد أن حقّق أن المادّة قابلة لكلّ صورة ، وأنّ كلّ فعل يناسب فاعله ، والذي يفعل الإحراق لا يكون إلّا صورة محرقة ، ولا نعني بالنار إلّا ما تفعل مثل هذه الآثار.