في تقدّم خلق الأرواح على الأجساد ، وتأخّرها عنها ،
وهبوط آدم من الجنة
(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (١)
فصل
قد استبان من المباحث السالفة أن النفوس الإنسانية حادثة بحدوث الأبدان ، من جهة نشأتها الطبيعية ، وتصرّفها في الأبدان ، فإنّها منذ كانت نباتية ثمّ حيوانية ثمّ إنسانية ، كان وجودها متوقّفا على استعداد خاصّ ، وشرائط مخصوصة في أبدانها ، فليعلم الآن أن لها تقدّما على أبدانها أيضا ، من جهة أخرى ؛ وذلك لأنّ لها أن تعود إلى مبدئها ومنشئها بعد استكمالاتها الحاصلة لها من أبدانها ، ومفارقتها إياها ، كما دريت من قبل ، فما نشأ منها من العالم العقلي الكلّي ، والخلق الأوّل ، والملكوت الأعلى ، فأصله سابق على سائر الموجودات ، وهو موجود هناك بوجود أصله ، فهو ـ إذن ـ متقدّم على الموجودات كلّها ، وهي المسماة بالنفوس الكلية الإلهية في كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كما مر ذكره (٢) ، وما نشأ منها من العالم النفساني القدري التفصيلي ،
__________________
(١) ـ سورة الأنبياء ، الآية ١٠٤.
(٢) ـ أنظر ص ٢٥٤ من هذا الكتاب.