لأنفسهم ، ألا ترى أنك لا ترى فيهم إلّا محبّا للعلو على غيره ، حتّى أن منهم من قد نزع إلى دعوى الربوبية ، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوّة ، بغير حقّها ، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الإمامة ، بغير حقّها ، مع ما يرون في أنفسهم من النقص ، والعجز ، والضعف ، والمهانة ، والحاجة ، والفقر ، والآلام ، المتناوبة عليهم ، والموت الغالب لهم ، والقاهر لجميعهم.
يا بن الفضل ، إن الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، ولا يظلم الناس شيئا ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون (١).
تمثيل :
ما أشبه حال النفس الإنسانية في تقلّبها في أطوار الخلقة ، ووقوعها من عالم الفطرة في مزابل الجهّال ، ونسيانها عالمها عند الهبوط إلى منازل الأراذل ، إلى أن تصل إلى درجة العقل الفعّال بحال البذر في تقاليب الأطوار ، إلى أن يبلغ مرتبة الثمار ، فيبتدىء أوّله وهو بذر يفسد لبّه في الأرض ، ويفنى عن ذاته في الأماكن الغريبة ، ثمّ يستحيل بقوّة نامية من حال إلى حال ، حتّى ينتهي إلى ما كان أوّلا ، ويصل إلى درجة اللبّ الّذي كان عليها في بدء أمره ، مع عدد كثير من أفراد نوعه ، وفوائد وأرباح كثيرة حاصلة من سفره من الأوراق والقشور والأشجار والأنوار ، فيخرج من بين تلك القشور والحشائش لبّا صافيا ، بإذن الله ، ثمرة صالحة هي نتيجة تلك المقدّمات ، ونهاية تلك الأشعّات تكون موجودة باقية ببقاء موجدها ، مع انفساخ تلك الأمور ، وزوالها.
__________________
(١) ـ كتاب التوحيد : ٤٠٢ ، ح ٩.