فالمراد (١) بالحيّة هي القوّة المتخيّلة ؛ وذلك إن الوهم إنما تمكّن من التصرّف وبعث القوى المحرّكة كالشهوة والغضب الّتي هي جنوده وشياطينه على طلب الملاذ البدنية ، والشهوات الحسية الدنية ، وجذب النفس إليها بتصوير كونها لذيذة نافعة ، بواسطة القوّة المتخيّلة.
ووجه تشبيهها بالحيّة ، أن الحيّة لما كانت لطيفة ، سريعة الحركة ، تتمكّن من الدخول في المنافذ الضيّقة ، وتقدر على التصرّف الكثير ، وهي مع ذلك سبب من أسباب الهلاك ، بما تحمله من السم ، وكانت المتخيّلة في سرعة حركاتها وقدرتها على التصرّف السريع ، والإدراك ألطف من سائر القوى ، وهي الواسطة بين النفس والوهم ، وكانت بما اشتملت عليه من تحمل كيد إبليس ، وإلقاء الوسوسة بواسطتها إلى النفس ، سببا قويّا للهلاك السرمد ، والعذاب المؤبد ، لا جرم كان أشبه ما تشبّه به الحيّة لما بينهما من المناسبة ، فحسن إطلاق لفظ الحية عليها.
كذا ذكره كمال الدين ابن ميثم البحراني (٢) ، في شرح نهج
__________________
(١) ـ في المصدر : فقالوا المراد.
(٢) ـ وهو : كمال الدين ، ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، العالم الربّاني ، والفيلسوف المتبحّر ، المحقّق ، والحكيم المتألّه ، المدقّق ، جامع المعقول والمنقول ، أستاذ الفضلاء الفحول ، صاحب الشروح على نهج البلاغة. يروي عن المحقّق نصير الدين الطوسي ، والشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني ، ويروي عنه آية الله العلّامة والسيّد عبد الكريم بن طاووس ، قيل : إن الخواجة نصير الدين الطوسي تلمّذ على كمال الدين ميثم في الفقه ، وتلمّذ كمال الدين على الخواجة في الحكمة ، توفّي سنة «٦٧٩ ه» ، وقبره في هلتا من قرى ماحوز. وحكي عن بعض العلماء : أنّ ميثم حيثما وجد فهو بكسر الميم ، إلّا ميثم البحراني فإنّه بفتح الميم ، والله تعالى العالم. وكتب الشيخ سليمان البحراني رسالة في أحواله سمّاها السلافة البهية.
أنظر ترجمته في : الكنى والألقاب : ١ : ٤٣٣ ، وأمل الآمل : ٢ : ٣٣٢ / ١٠٢٢.