في الجنّة والشياطين
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (١)
فصل
إنّ في الوجود نفوسا أرضية قوية ، لا في غلظ النفوس السبعية والبهيمية ، وكثافتها وقلّة إدراكها ، ولا على هيئات النفوس الإنسانية واستعداداتها ، ليلزم تعلّقها بالأجرام الكثيفة الغالبة عليها الأرضية ، ولا في صفاء النفوس المجرّدة ولطافتها ؛ لتتصل بالعالم العلوي ، وتتجرّد بالكلية ، فهي إذن متعلّقة بأجرام عنصرية ، غلبت عليها الهوائية ، والنارية ، أو الدخانية ، على اختلاف أحوالها ، ومنازلها ، وهي الجنّة والشياطين.
قال الله تعالى : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (٢) ، والمرج الاختلاط ، فإنّ النار فيه مختلطة بالهواء ، والمارج لهذين العنصرين كالطين للآخرين (٣).
والجنّ من الاجتنان ، بمعنى الاختفاء ، سمّيت به ؛ لاستتارهم عن الأبصار ؛ ولهذا سميت به الملائكة أيضا في قوله سبحانه : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ
__________________
(١) ـ سورة الحجر ، الآية ٢٧.
(٢) ـ سورة الرحمن ، الآية ١٥.
(٣) ـ أي لعنصري التراب والماء.