فصل
حدوث العالم ـ بمعنى افتقاره إلى الصانع ، ومسبوقيته بالعدم في الجملة ، أي الأعم من العدم في الزمان ـ من ضروريات الدين ، وعليه إجماع المسلمين ، بل العقلاء كافّة ، والحكماء أجمعين ، وله وجوه من البراهين ، وقد خلت منّا إشارات وتنبيهات على طرف من ذلك.
والآن نريد أن نذكر نبذا ممّا ورد فيه عن الأئمة المعصومين عليهمالسلام ، ممّا هو جامع بين نوري العقل والشرع ، وشيئا ممّا ذكر فيه بعض قدماء أصحابنا ـ رحمهمالله ـ والحكماء الأقدمين، ثمّ نذكر البرهان على الحدوث الزماني للعالم ، بمعنى كونه مسبوقا بالعدم الزماني على حسب ما يليق به ، ويكشف عن معنى العدم السابق عليه ، وكيفية تأخّره عن الحقّ ، وتقدّم الحقّ عليه ، من غير أن يكون الله سبحانه في طرف الزمان ، أو في شيء منه ، على ما فهمه أكابر العرفاء ، وحقّقه آحاد العلماء ، قدّس الله أسرارهم ، وهو معنى غامض ، لا تناله أيدي الأكثرين ، وليس اعتقاده من ضروريات الدين ، ولا اعتقاد الحدوث الزماني بأي معنى أريد ، كما يظهر من التتبع لكلمات السلف من علماء الدين ، فإنّها صريحة في أن الواجب اعتقاده إنّما هو افتقار العالم إلى الصانع ، ومسبوقيّته بالعدم في الجملة ، خاصّة وأن إطلاق حدوث العالم راجع إليه ، وأن الغرض من إثباته الردّ على الدهرية ، والطبيعيين ، المنكرين للصانع ، الزاعمين لقدم العالم ، ووجوب وجوده ، خذلهم الله ؛ ولذلك كلما سئل العلماء عن البرهان على ذلك أخذوا يستدلون على إثبات الصانع ، وليس في كلامهم عن الزمان حرف أصلا ، إلّا إشارات إلى الحدوث الزماني ، بالمعنى الغامض الّذي نثبته ، وترميزات إليه ،