في سريان العشق والشوق والعبادة
والذكر في جميع الموجودات
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) (١)
فصل
إنّ الباري ـ جلّ ذكره ـ غاية كلّ شيء ، كما أنه فاعل كلّ شيء ؛ لأنّه خير محض، لا شرّية فيه أصلا ، وكلّ ما هو خير محض يطلبه كلّ شيء طبعا ، وإرادة ، وهذا مركوز في جبلّة العالم ، جزئياته وكلّياته ، محسوساته ومعقولاته ، ما من شيء إلّا وله عشق وشوق غريزي إلى ما فوقه ، وإلى ما هو أشرف منه ، وهو في بعض الأشياء شاهد معلوم بالضرورة ، وفي بعضها يعلم بالاستقراء ، وفي الكلّ يعلم بالحدس الصائب وبضرب من البرهان ، وهو أن الوجود لذيذ ؛ لأنّه خير محض ، وكمال الوجود ألذّ وآثر ، فكلّ موجود سافل إذا تصوّر الموجود العالي فلا محالة يشتاقه ويطلبه ، طبعا واختيارا ؛ إذ كلّ شيء تحقّق له أنّ شيئا من الأشياء يفيده الخير والكمال ، ويوجب الاقتراب إليه زيادة في الفضيلة
__________________
(١) ـ سورة الحج ، الآية ١٨.