ولمّا كانت الشمس شمالية الحركة صيفا ، جنوبيّتها شتاء جعل أوجها في الشمال ، وحضيضها في الجنوب ، لينجبر قرب الميل ببعد المسافة ؛ لئلّا تشتدّ الإضاءة والتنوير ، وينكسر بعده بقربها ؛ لئلّا تضعف القوّة المسخّنة عن التأثير.
فسبحان الله رب السماوات السبع ، وربّ الأرضين السبع ، وما فيهنّ ، وما بينهنّ ، وربّ العرش العظيم ، خلق السماوات موطدات بلا عمد ، وقائمات بلا سند ، دعاهنّ فأجبن طائعات ، مذعنات ، غير متلكّئات ، ولا مبطئات.
ولو لا إقرارهنّ له بالربوبية وإذعانهنّ بالطواعية لما جعلهنّ موضعا لعرشه ، ولا مسكنا لملائكته ، ولا مصعدا للكلم الطيّب والعمل الصالح من خلقه ، فجعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج الأقطار ، لم تمنع ضوء نورها إدلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألأ نور القمر ، فسبحانه سبحانه ، ما أعظم شأنه ، وأبهر برهانه.
فصل
روى في الكافي ، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «إن للشمس ثلاثمائة وستين برجا ، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب ، فتنزل كلّ يوم على برج منها ، فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش ، فلم تزل ساجدة إلى الغد ثمّ ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها ، وإن وجهها لأهل السماء ، وقفاها لأهل الأرض ، ولو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدة حرّها ، ومعنى سجودها ما قال تعالى : (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ