في مقادير الأجرام والأبعاد
(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١)
تمهيد :
لاستعلام مقادير الأجرام والأبعاد ، بالفراسخ والذرعان ، طرق ومسالك ، وقد تصدّى له جماعة من المتقدمين ، وطائفة من المتأخرين ، فحصّلوها وضبطوها بالقوانين المضبوطة الحسابية ، والبراهين القاطعة الهندسية ، مع دقة نظرهم ، وفرط إمعانهم ، وعلوّ منزلتهم ، ومع ذلك لم يهتدوا إلّا إلى أمور تقريبية ، وأحكام تخمينية ، يلوح منها على الإجمال جلال مبدعها ، وفاطرها ؛ وذلك لرفعة شأن الأجرام العظام السماوية ، وعلوّ مكانها ، وعجز نوع البشر ، وضعف بنيتهم بالإضافة إليها ، ومن رام أمثال هذه الأمور على ما عليه الحقيقة ، فقد طمع في غير مطمع ، وتكلف ما لا يعنيه ، وهل هو في ذلك إلّا (كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) (٢) ، بل المرجع في الكلّ إلى الاعتراف بالعجز والقصور ، وكلمة علمها إلى مبدعها الخبير.
__________________
(١) ـ سورة غافر ، الآية ٥٧.
(٢) ـ سورة الرعد ، الآية ١٤.