سببا ، ولسببه سببا ، إلى أن ينتهي إليه تعالى ، وهو مسبب الأسباب كلّها ، جملتها وتفصيلها ، فالأسباب مترتبة متوجّهة نحو المسببات بإذنه تعالى ، وهو الّذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.
فشرب السموم ـ مثلا ـ سبب للهلاك بإذنه تعالى ، كما أن شرب الدواء سبب للشفاء بإذنه ، وكذلك الأسباب الكلية الأصلية الثابتة المستقرة الّتي لا تزول ، ولا تحول ، كالأرض والسماوات والنجوم بحركاتها المتناسبة الّتي لا تتغيّر ولا تنفد إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، وتوجّهها إلى المسبّبات الحادثة منها لحظة فلحظة.
ألا ترى إلى الشمس كيف تؤثر بمحاذاتها الموضع من الأرض في إضاءة ذلك الموضع ، ثمّ بتوسّط الضوء في سخونتها ، ثمّ بتوسط السخونة في خلخلة الجسم المتسخّن ، أو إصعاده ، ثمّ بسبب التخلخل أو الصعود في إخراجه من موضعه الطبيعي ، ثمّ بسبب الخروج من موضعه في امتزاجه بغيره ، ثمّ بسبب الامتزاج في فيضان صورة عليه غير صورته الأولى.
فانظر في إعدادها ذلك الجسم لقبول تلك الهيئات والصور من الله سبحانه ، ثمّ انظر كيف توثر باختلاف حركاتها الذاتية والعرضية المقتضي لحدوث الفصول الأربعة من الربيع والصيف والخريف والشتاء ، في اختلاف أحوال المركّبات ، من المعادن ، والنباتات ، والحيوانات ، واختلاف صورها ، وأعراضها ، ونفوسها ، في حياتها وموتها ، وحرارتها وبرودتها ، ورطوبتها ويبوستها ، ونضارتها وجمودها ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : «اغتنموا برد الربيع فإنه يفعل بأبدانكم ما يفعل