الأحوال ، إلّا أنهم ليسوا أقرب إليه من حيث تكافؤها ؛ إذ الشمس هناك لا تبعد كثيرا عن المسامتة ، فهي طول السنة في حكم المسامتة ، ومن ذلك سواد ألوانهم ، وشدّة جعودة شعورهم ، بخلاف الإقليم الرابع ، على أن توفّر العمارات ، وكثرة التوالد والتناسل في الأقاليم السبعة دون سائر المواضع المنكشفة من الأرض يدلّ على كونها أعدل من غيرها ، فما يقرب من وسطه يكون ـ لا محالة ـ أقرب إلى الاعتدال ممّا يكون على أطرافها.
وأقرب الأشخاص إلى الاعتدال هو أعدل شخص من أعدل صنف من أعدل نوع ، في أعدل سنّ ، وهو السنّ الّذي يبلغ فيه النشوء غاية النموّ.
فصل
أنظر كيف وصلت رحمة الله وحكمته إلى كلّ شيء ، كما قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ، تشبيه لقوله تعالى حكاية عن الملائكة (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٢) ، وكيف قدر الأشياء على حسب استعداداتها ، وهب لها ما يلائمها من الكمالات ، كما قال : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٣) ، تثنية لقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٤).
ثم أنظر أن النبات لما كان أخسّ من المتنفس كيف كان منكوس الرأس ، وهو أصله الّذي في الأرض إذا قطع بطلت قواه ، والحيوان غير الناطق لما كان
__________________
(١) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٥٦.
(٢) ـ سورة غافر ، الآية ٧.
(٣) ـ سورة القمر ، الآية ٤٩.
(٤) ـ سورة الحجر ، الآية ٢١.