ثم ينقل ـ وبعد كلامه الآنف الذكر بأثر واحد قول أبي بكر بن إسحاق : «الظلم عند العرب هو فعل ما ليس للفاعل فعله ، وليس من شيء فعله الله إلّا وله فعله ..» (١).
والمعنيان اللذان يذكرهما الأشاعرة في معنى الظلم الذي نزّه الله عنه نفسه ، وإن كانا صحيحين في حق الله ـ عزوجل ـ لكنهما ليسا المعنى الصحيح للظلم الذي نزه الله عنه نفسه ، بل هو خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة في معنى الظلم.
إذ إن الظلم عند أهل السنّة هو : «وضع الشيء في غير موضعه» وهو معناه ـ أيضا ـ في اللغة : يقال : «من أشبه أباه فما ظلم» وفي المثل : «من استرعى الذئب فقد ظلم» (٢) ويقال : ظلم الرجل سقاءه ، إذا سقى منه قبل أن يخرج زبده ، والظليمة والظليم : اللبن يشرب منه قبل أن يروب ويخرج زبده ، قال الشاعر :
وصاحب صدق لم تربني شكاته |
|
ظلمت ، وفي ظلمي له عامدا أجر (٣) |
قال في «اللسان» في شرح البيت : «هذا سقاء سقي منه قبل أن يخرج زبده ، وظلم وطبه ظلما إذ سقى منه قبل أن يروب ويخرج زبده» (٤).
وتقول العرب : هو أظلم من حيّة ؛ لأنّها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه» (٥).
وعلى هذا المعنى بنى أهل السنة معنى الظلم الذي تنزه الله ـ عزوجل ـ عنه ، وهو ما فسّر به سلف الأمة وأئمتها (٦).
__________________
(١) (ص ٢٥٦) من هذا الكتاب.
(٢) «لسان العرب» (١٢ / ٣٧٣).
(٣) «لسان العرب» (١٢ / ٣٧٥).
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.
(٦) انظر في المسألة : «شرح حديث أبي ذر» من مجموع الفتاوى (١٨ / ١٥١) ، و «منهاج السنّة» (١ / ٩٠) ، (٢ / ٢٣٦) ، و «مفتاح دار السعادة» (٢ / ١٠٦ ـ ١٠٩) ، و «شرح ـ