فاعلها باختياره ومشيئته ، وذلك كله مخلوق لله فهي فعل العبد ، وهي مفعول للرب» (١).
ثم إن «من المستقر في فطر الناس ، أن من فعل العدل فهو عادل ، ومن فعل الظلم فهو ظالم ، ومن فعل الكذب فهو كاذب ، فإذا لم يكن العبد فاعلا لكذبه وظلمه وعدله ، بل الله فاعل ذلك لزم أن يكون هو المتصف بالكذب والظلم» (٢).
وأيضا فإن «الشرع والعقل متفقان على أن العبد يحمد ويذم على فعله ، ويكون حسنه له أو سيئه ، فلو لم يكن إلّا فعل غيره لكان ذلك الغير هو المحمود المذموم عليها» (٣).
والقرآن والسنّة مملوءان بذكر إضافة أفعال العباد إليهم ، ومن ذلك قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤) وقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٥) وقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) (٦) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٧) وغيرها كثير جدا (٨).
المسألة الثانية :
أن الأشاعرة جعلوا قدرة العبد واستطاعته كلّها مقارنة للفعل ، لا يجوز أن تتقدمه ، ولا أن تتأخر عنه ، القول الذي أوقعهم في الحيرة والاضطراب ولم يجدوا معه توجيها سليما للاستطاعة والقدرة ، التي هي شرط للعمل ، والتي بمعنى الصحة وسلامة الآلات.
بينما قال أهل الحق والهدى ، أهل السنّة والجماعة ، إن لفظ القدرة والاستطاعة يتناول نوعين :
__________________
(١) «مجموع الفتاوى» (٢ / ١١٩ ـ ١٢٩) وانظر : «منهاج السنّة» (١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٦).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١١٩).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٠).
(٤) سورة السجدة ، الآية رقم (١٧).
(٥) سورة فصلت ، الآية رقم (٤٠).
(٦) سورة التوبة ، الآية رقم (١٠٥).
(٧) سورة البقرة ، الآية رقم (٢٧٧).
(٨) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٠).