أحدهما : القدرة والاستطاعة التي بمعنى الصحة والوسع ، والتمكن وسلامة الآلات ، وهي القدرة الشرعية المصححة للفعل والتي هي مناط الأمر والنهي.
وهذه لا يجب أن تقارن الفعل ، بل تكون قبله متقدمة عليه ، وهي صالحة للضدين ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) فإن هذه الاستطاعة لو كانت هي المقارنة للفعل لم يجب حج البيت إلّا على من حج ، فلا يكون من لم يحجّه عاصيا بترك الحج ، سواء كان له زاد وراحلة وهو قادر على الحج أو لم يكن. وكذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعمران بن حصين» (٢) : صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» وكذا قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» لو أراد استطاعة لا تكون إلّا مع الفعل لكان قد قال فافعلوا منه ما تفعلون ، فلا يكون من لم يفعل شيئا عاصيا له ، وهذه الاستطاعة المذكورة في كتب الفقهاء ، وهي الغالبة في عرف الناس (٤).
والثاني : القدرة والاستطاعة الموجبة للفعل معها ، وهي المقارنة للفعل ، الموجبة له ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٥) وقوله : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (٦).
و «المراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم ، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية رقم (٩٧).
(٢) أخرجه البخاري ، في كتاب تقصير الصلاة ، باب : إذا لم يطق قاعدا ... رقم (١١١٧).
(٣) سورة التغابن ، الآية رقم (١٦).
(٤) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٩ ـ ١٣٠) وانظر (٨ / ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٦ ، ٤٤١) و «منهاج السنّة» (١ / ٧ ـ ٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٣).
(٥) سورة هود ، الآية رقم (٢٠).
(٦) سورة الكهف ، الآية رقم (١٠١).