منعناكم ، فإنّ أقصى ما يمكن ادّعاؤه هنا الجزم. وأيضا إن عنيتم بالعلم بالقبح النفرة الطبيعيّة وبالحسن الميل الطبيعي فهو مسلّم ، وإن عنيتم كون الفعل متعلّق المدح والذمّ (١) فهو ممنوع.
لأنّا نقول : السؤال الأوّل يلزم منه تجويز الشكّ في العلوم الضرورية ، والثاني باطل ، فإنّ الحسن والقبح لو كانا عبارتين عن النفرة والميل لوجب (٢) اختلاف العقلاء في ذلك كما اختلفوا فيهما.
[أدلّة الأشاعرة على الحسن والقبح الشرعيين]
وقد احتجّت الأشاعرة على قولهم بوجوه :
الأوّل : أنّ العلم بذلك ليس كالعلم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء ، فلا يكون ضروريّا.
الثاني : أنّه (٣) لو كان هناك قبيح لكان إمّا من الله تعالى ، وهو باطل اتّفاقا ، أو من العبد ، وهو باطل ، لأنّ أفعاله مستندة إلى القدرة والداعي ، وعندهما يجب الفعل ، وهما صادران عن الله تعالى ، فالقبيح في الحقيقة مستند إليه.
الثالث : أنّ الكذب قد يحسن إذا تضمّن (٤) تخليص النبيّ ، ولأنّ من قال : لأكذبنّ غدا يحسن منه الكذب ، لأنّه إن وجب عليه الوفاء بهذا كان الكذب حسنا أيضا (٥).
__________________
(١) في «د» : (الذم والمدح).
(٢) في «ف» : (لوجوب).
(٣) (أنّه) لم ترد في «ب».
(٤) في «س» : (إذا نصّ) ، وفي «ف» : (إذ تضمّن).
(٥) الأربعون في أصول الدين للفخر الرازي ١ : ٣٤٦ ، المواقف : ٣٢٣ ، شرح المقاصد للتفتازاني ٤ : ٢٨٢.