والتزم أبو الهذيل والجبّائي لهذه الشبهة أنّ الحكاية نفس المحكي (١) وهو (٢) باطل ضرورة.
أقول :
الدلائل النقليّة تتوقّف على عشرة امور ظنّيّة قد بيّنّاها فيما مضى (٣) ، وقد تنتفي تلك الامور فتكون الأدلّة النقلية يقينيّة ، وهاهنا كذلك ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ آيات التحدّي لم يرد بها (٤) المجاز ، ولا هي مشتركة ، ولا اريد بها التخصيص ، ولا نسخت و (٥) غير ذلك من المفاسد المذكورة ، والداعي إلى المعارضة أنّ القرآن من الامور الشهيرة فتتوفّر الدواعي على معارضته لو أمكنت بالضرورة ، ولأنّ المعارضة مسقطة للتكليف.
وأجاب عن قوله : «إنّ القارئ آت بالمثل» (٦) بأنّه باطل بالضرورة ، فإنّا نعلم أنّ (٧) من أنشد قصيدة لغيره لا يقال : إنّه معارض له ، وأبو الهذيل وأبو علي الجبّائي ذهبا إلى أنّ الحكاية هي نفس المحكي حذارا من هذه الشبهة (٨).
وقد التزما في هذا ما هو معلوم البطلان ، فإنّ الحروف والأصوات تعدم في ثاني زمان الوجود ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ ما ينطق به بعد ذلك هو نفس ذلك
__________________
(١) انظر الصراط المستقيم ١ : ٤٨.
(٢) (وهو) ليس في «ف».
(٣) راجع تفسير الرازي ٢ : ٥٧.
(٤) في «أ» «س» «د» : (منها).
(٥) في «ب» زيادة : (لا).
(٦) في «د» : (بمثله) ، وفي «ف» : بياض.
(٧) (أنّ) سقطت من «ب».
(٨) انظر الصراط المستقيم ١ : ٤٨.