فأوّل الآلات الباطنة الحسّ المشترك ، وهو قوّة مرتبطة (١) في مبادي عصب الحسّ في مقدّم الدماغ ، وسمّيت حسّا مشتركا لاشتراك الحيوانات فيها ، ولتأدية الحواس بأسرها إليها ، وهي تدرك صور المحسوسات.
واستدلّوا على ثبوتها بأنّا نرى القطرة النازلة خطّا مستقيما ، والبصر إنّما يدرك ما يقابله ، والمقابل له نقطة ، والمرئي خطّ والسبب فيه أنّ البصر إذا أدرك النقطة في مكان ارتسم ذلك في الحسّ المشترك ، ثمّ إنّ النقطة تنتقل عن ذلك المكان إلى آخر فيدركها البصر في المكان الثاني (٢) ويتأدّى إلى الحسّ المشترك قبل زوال الحصول في المكان الأوّل عنه فيحصل نقطتان (٣) في سمت واحد فيحصل خطّ (٤).
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون ذلك في البصر لا في آلة (٥) اخرى؟ وأيضا فلم لا يجوز أن يكون اتّصال الارتسامات في الهواء بسبب حصول النقطة في مكان ، فإنّ الهواء المحيط بها متشكّل بشكلها ثمّ تنتقل إلى مكان آخر قبل زوال التشكّل (٦) الأوّل فيحصل الخطّ في الهواء؟
لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ ذلك قول بأنّ البصر لا يدرك إلّا المقابل أو ما هو في حكم المقابل ، وعن الثاني أنّ (٧) ذلك يقتضي الخلأ لأنّ بقاء النهايات المحيطة
__________________
(١) في «ب» : (مرتّبة).
(٢) (الثاني) ليست في «س».
(٣) في «ج» : (نقطة).
(٤) شرح مائة كلمة لابن ميثم : ٨ ، شرح التجريد (تحقيق الزنجاني) : ٢١١ و ٢١٢ وفي طبعة الآملي :
٢٩٥ ، المواقف : ٢ : ٥٩١ ، قواعد المرام : ١٥٥.
(٥) (آلة) لم ترد في «د».
(٦) في «ب» «س» : (الشكل).
(٧) في «ر» : (بأنّ).