الملك المعظّم ، شمس الدّولة بن أيّوب بن شاذي ، أخو صلاح الدّين ، والسّلطان سيف الدّين ، وكان يلقّب أيضا بفخر الدّين. وكان أسنّ من صلاح الدّين ، فكان يحترمه ويرجّحه على نفسه. وسيّره سنة ثمان وستّين إلى بلاد النّوبة ليفتحها ، فلمّا قدمها وجدها لا تساوي التّعب ، فرجع بغنائم كثيرة ، ورقيق.
ثمّ أرسله إلى اليمن ، وبها عبد النبيّ بن مهديّ قد استولى على أكثر اليمن. فقدمها توران شاه ، وظفر بعبد النّبيّ وقتله ، وملك معظم اليمن.
وكان سخيّا جوادا. ثمّ إنّه قدم دمشق في آخر سنة إحدى وسبعين ، وقد تمهّدت له مملكة اليمن ، لكنه كره المقام بها ، وحنّ إلى الشّام وثماره. وكان قد جاءه رسول من أخيه صلاح الدّين يرغّبه في المقام باليمن ، فلمّا أدّى الرسالة طلب ألف دينار ، وقال لغلام له : امض إلى السّوق واشتر لي بها قطعة ثلج. فقال : ومن أين هنا الثّلج؟ فقال : فاشتر به طبق مشمش ، فقال : ومن أين يوجد ذلك؟ فأخذ يذكر له أنواع الفواكه ، والغلام يقول ما يوجد. فقال للرسول : ليت شعري ، ما أصنع بالأموال إذا لم أنتفع بها في شهوتي؟
ورجع الرسول فأذن له السّلطان في القدوم. وقد كتب له بإنشاء القاضي الفاضل :
لا تضجرن ممّا أتيت (١) فإنّه |
|
صدر لأسرار الصّبابة ينفث |
أمّا فراقك واللّقاء فإنّ ذا |
|
منه أموت وذا منه أبعث |
حلف الزّمان على تفرّق شملنا |
|
فمتى يرقّ لنا الزّمان ويحنث؟ |
حول المضاجع كتبكم فكأنّني |
|
ملسوعكم وهي الرّقاة النّفث |
كم يلبث الجسم الّذي ما نفسه |
|
فيه ولا أنفاسه كم يلبث (٢) |
فلمّا قدم دمشق استنابه بها صلاح الدّين لمّا رجع إلى مصر. ثمّ انتقل
__________________
= وتحفة الأحباب للسخاوي ٩٧ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٥٥ ـ.
(١) هكذا في الأصل ، وديوان القاضي الفاضل. وفي الوافي بالوفيات ١٠ / ٤٤١ «أبثّ».
(٢) ديوان القاضي الفاضل ١ / ٤٨٥ ، الوافي بالوفيات ١٠ / ٤٤١ ، ٤٤٢ ـ.