فعلى هذا لو شكّ في أنّ المراد بالصيغة أيّ القسمين في جميع هذه المقامات أو بعضها وفرض كون المتكلّم بصدد البيان ، أمكن نفي ذي المئونة منهما وإثبات غيره بمقدّمات الحكمة ، وليس إعمال هذه المقدّمات لإجراء الإطلاق مقصورا على ما إذا كان نتيجته التوسعة ، بل يصحّ ولو كانت هي التضييق كما في ما نحن فيه ؛ فإنّ دائرة الوجوب التعييني أضيق من التخييري ، وكذا العيني والنفسي بالنسبة إلى قسيميهما ؛ ضرورة عدم الفرق في ذلك بين المقامين أصلا.
إنّما الكلام في أنّ حملها على غير ذي المئونة في هذه المقامات موقوف على هذه المقدّمات بحيث لولاها حصل التحيّر أو لا ، بل ينصرف منها غير ذي المئونة عند عدم القرينة على شيء آخر؟ الحق هو الثاني ، وحينئذ فلا حاجة إلى إحراز كون المتكلّم بصدد البيان ؛ فإنّ هذا المقدار من البيان أعني بيان مفاد اللفظ وتفهيمه موجود في جميع الألفاظ حتّى ما كان مفاده الطبيعة المهملة ، والألفاظ التي مفادها هذه الطبيعة يحتاج إلى وجود بيان في البين أزيد من هذا المقدار.
والدليل على الانصراف المذكور أنه لو قال المولى : أكرم زيدا فأكرم العبد عمروا واعتذر بأنّ : مفاد الصيغة بحسب الوضع ليس إلّا المعنى الأعمّ ، واحتملت أن يكون مرادك وجوب إكرام زيد أو عمرو على سبيل التخيير ، ولم أحرز كونك بصدد البيان ، وحكم عقلي بأنّه كلّما دار الأمر بين الأقلّ والأكثر فالأخذ بالأقلّ مجز ، والأقلّ بحسب التكليف هو التخييري ، ليس ذلك منه مسموعا أبدا ، ولو لم يكن الانصراف موجودا لكان مسموعا ، وكذا لو اكتفى عقيب قوله : أكرم زيدا بإكرام عمرو إيّاه باحتمال أن يكون المراد هو الوجوب الكفائي ، واعتذر بعدم إحراز كون المولى بصدد البيان ، وكذا الكلام في الوجوب النفسي.
«فصل»
هل الصيغة بنفسها تدلّ على المرّة أو التكرار وعلى الفور أو التراخي أو لا يدّل على شيء منها؟ توضيح الحال في هذا المجال يحصل بذكر مقدّمة واحدة فنقول :