نعم بينهما فرق في كيفيّة الوضع ، ففي الأوّل لمّا يمكن الإشارة إلى نفس المعنى فلهذا لا يحتاج في مقام الوضع إلى الوجه ، بل يشار إلى نفسه ، وفي الثاني لمّا لم يمكن الإشارة الى نفس المعنى ، ضرورة منافاة الإشارة لما هو عليه من وصف العجز والافتقار ، فلهذا لا بدّ أن ينتزع منه في مقام الوضع إجمال ويجعل هذا الإجمال وجها له وعبارة عنه ، بحيث يكون الفرق بينه وبين الجامع الذي هو الموضوع له بالإجمال والتفصيل.
وذلك كمفهوم الابتداء المحتاج في التعقّل إلى المتعلّق. ولا يلزم اتّفاق الحاكي والمحكي في جميع الجهات. فيمكن أن يكون الأوّل معنى اسميّا والثاني معنى حرفيّا كما في المقام ، كما يمكن أن يكون الأوّل كليّا والثاني جزئيّا كما فى مفهوم لفظ الجزئى ومحكيّه.
وحينئذ فإن أريد من الخصوصية في معنى «من» خصوصيته بالنسبة إلى معنى لفظ الابتداء فقد عرفت أنّهما مفهومان متباينان ، حيث إنّ الأوّل مستقلّ باللحاظ ، والثاني مفتقر فيه إلى الغير ، وإن أريد الخصوصيّة بالنسبة إلى مقسم القسمين وهو المعنى المجرّد عن الكيفيتين الذي لم يوضع له لفظ فهى غير مختصّة بمعنى «من» لجريانها فى معنى لفظ «الابتداء» أيضا ، ضرورة أخصية القسم عن المقسم. وأمّا بالنسبة إلى الخارج فقد عرفت تصادقهما على طائفة واحدة من الخارجيات.
فان قلت : كيف وقد استعمل لفظة «من» في قولك : «سرت من البصرة» في الابتداء الخاصّ بإضافته إلى السير الخاصّ.
قلت : لا شك أنّ المستعمل فيه للفظة «من» في جميع الموارد معنى واحد كلّى ، وهو ما وضعه الواضع له ، وهو أصل الابتداء العاجز ، ومن لوازم هذا المعنى أنّك أىّ معنى فعل أو شبهه قرّبت منه وركّبت معه يتقيّد به وتصير خصوصيّة طارئة عليه ،