فصل في مقدّمة الواجب
لو جعل العنوان في هذا المبحث الإرادة الحتميّة المتعلّقة بالفعل الواجب فلا بدّ أن نذكر الكلام في الإرادة الحتميّة المتعلّقة بالترك الواجب في مبحث مستقلّ ، وحيث إنّ الملاك وهو الملازمة وعدمها في كلا المقامين واحد ؛ لكونه عقليّا ، فالاولى أن يقرّر النزاع هكذا : الإرادة الحتميّة المتعلّقة بالشيء من حيث الفعل أو الترك هل هي موجبة للإرادة الحتميّة المتعلّقة بمقدّمته أولا؟
ثمّ لو قلنا بثبوت الملازمة فالواجب في طرف الفعل هو جميع المقدّمات الوجوديّة له من غير فرق بين السبب والشرط والمعدّ وغيرها كما هو واضح ، وفي جانب الترك ترك أحد هذه المقدّمات لا بعينه ؛ ضرورة أنّ الفعل يصير منتركا بترك أحدها ، فالواجب المقدّمي للترك المطلوب تخييري وخصاله التروك.
ويكون كذلك ما دام قدرة المكلّف على جميع التروك باقية ، فإذا انحصرت بواحد منها يصير هذا الواحد واجبا تعيينيّا ، كما هو الحال في كلّ واجب تخييري عند زوال القدرة عن سائر أبدا له ، وذلك كما لو أتى المكلّف بغير واحد من المقدّمات الوجوديّة للفعل الحرام أو كان مضطرّا إلى إتيان غير الواحد منها ، فإنّ المقدور حينئذ منحصر في ترك هذا الواحد فيكون واجبا تعيينيّا توصّلا إلى ترك ذاك الحرام.
ومن هنا يظهر وجه ما ذكره سيّدنا العلّامة الميرزا الشيرازي قدسسره في حاشيته على رسالة نجاة العباد عند تفصيل الماتن في المصبّ الغصبي لماء الوضوء بين صورتي الانحصار وعدمه ، فحكم ببطلان الوضوء في الأوّل وبصحّته في الثاني.
ومحصّل ما ذكره قدسسره في تلك الحاشية هو التفصيل في صورة عدم الانحصار بين ما إذا أمكن بعد صبّ الماء على العضو إمساك الماء عن الانصباب في المحلّ الغصبي ، وبين ما إذا لم يمكن ذلك بل كان الصبّ متى حصل مستلزما للتصرّف في الغصب وعلّة تامّة له ، فحكم بالصحّة في الأوّل وبالبطلان في الثاني.