على نيّة القربة من أنّه لو امتنع من عليه الزكاة من أدائها دفعها الحاكم من ماله ، ومن المعلوم أنّ القربة لا تتمشّى في هذا الفرض إلّا من الحاكم ، مع أنّ المأمور بالزكاة صاحب المال ، وبما ذكروه في غسل الميّت من أنّه لو انحصر الغاسل للإمرأة الميّتة في الامرأة الكافرة باشرت غسلها مع أنّ من المعلوم عدم تمشّي القربة من الكافرة ، والغسل أيضا من العبادات يتوقّف على القربة ، فلا بدّ أن يتولّى النيّة من تتمشّى منه من الرجال.
وبالجملة ، فيمكن أن يستكشف من ذلك أنّه ليس المعتبر في العبادة إلّا ضمّ قرب إلى أصل العمل ولو بأن يكون العمل من شخص والقرب لآخر ، أو يكون كلاهما لغير المأمور ، لكن مع كون الغرض متعلّقا بالأعمّ من المباشرة وعمل النائب.
وعلى هذا فيمكن أن يكون الغرض في العبادات المقرّرة في الشريعة متعلّقا بخصوص المباشرة ما دام الحياة وصار بعد الموت بحيث يحصل بعمل النائب ، لكن على هذا الوجه لا يصحّ الاستيجار لما فرضنا من كون العمل مقرّبا للنائب ، ومن الواضح عدم تمشّي القربة مع قصد الاجرة ، فلا يحصل الغرض ، فلا يسقط الأمر عن الميّت ، فيكون العمل لغوا.
اعلم أنّ دلالة الأخبار على كون النيابة نافعة بحال المنوب عنه ممّا لا شبهة فيها بمعنى أنّها مبرئة لذمّته ، كما أنّ أداء دين الغير تبرّعا مبرئ لذمّته ؛ فإنّ العبادة دين الله سبحانه على العبد.
نعم يبقى الكلام في أنّ عمل النائب مثل عمل المنوب يفيد القرب للمنوب ، أو أنّه يفيده للنائب ويسقط الأمر عن ذمّة المنوب ، ولا ثمرة لذلك في صورة التبرّع ، وإنّما تظهر الثمرة للاستيجار ، فعلى الأوّل يصح وعلى الثاني لا يصح ؛ إذ يعتبر في حصول القرب للفاعل أن يأتي بالعمل لغاية إلهيّة ولو كانت راجعة إلى الدنيا وإلى المشتهيات النفسانيّة مثل أن يعمل لأجل وسعة الرزق ؛ فإنّ صرف النظر عن الخلق وتوجيهه إلى الخالق مطلوب وإن كان لإنجاح مطلب دنيوي ، ومن المعلوم أنّ الداعي في صورة الاستيجار على العمل محض الدنيا.