لو أمكن محالا الجمع بين ترك الاغتراف وفعل الوضوء لم يحصل امتثال التكليفين معا ، بل التكليف الأوّل دون الثاني ؛ لعدم تحقّق ظرف وجوبه.
ولكن يمكن الخدشة في ذلك أيضا بأنّ غاية ما أفاده هذا الوجه إمكان ثبوت التكليف بالوضوء عقلا ، ولكن لا دليل على ثبوته بهذا الوجه شرعا ، بل الدليل على خلافه؛ وذلك لأنّ المستفاد من دليل وجوب الوضوء يقسّم المكلّف إلى واجد الماء وفاقده وأنّ مطلوبيّة الوضوء مقصورة على الأوّل ، كما أنّ مطلوبيّة التّيمم مقصورة على الثاني ، وقد فسّر الفقهاء رضوان الله عليهم فاقد الماء بمن لا يتمكّن من استعمال الماء إمّا لفقده رأسا ، وإمّا لعدم التمكّن من استعماله عقلا ، وإمّا لعدم التمكّن منه شرعا ، ومن قبيل الاخير عدم التمكّن من استعماله لكونه مستلزما للتصرّف في الغصب.
وهذا بخلاف باب التزاحم ؛ فإنّ الحامل على ذلك هنا هو العقل ؛ وذلك لأنّ المقتضي في كلّ من الواجبين في حدّ نفسه تامّ ، والمانع لا يقتضي أزيد من ارتفاع وجود التكليفين معا على وجه الإطلاق ، وأمّا وجودهما على النحو المزبور فالمقتضي بالنسبة إليه موجود بالفرض ، والمانع منه مفقود.
ومن هنا يظهر الخدشة في تصحيح الوضوء وحرمة الاغتراف على قول من لم يصحّح الأمر الطولي بغير الأهمّ في باب التزاحم ، ولكن يقول بأنّه إذا كان غير الأهمّ عبادة كالصلاة في سعة الوقت مع التّمكن من الإزالة أو من أداء الدين المضيّق وأتى به المكلّف بداعي حسنه الذاتي تقع صحيحة ، ولا يعتبر في صحّة العبادة وجود الأمر بها بأن يقال : إنّ الوضوء وإن لم يتعلّق به التكليف الطولي لكن إذا أتى به المكلّف بداعي حسنه يقع صحيحا؛ فإنّ هذا أيضا يتوقّف على وجود المقتضي أعني : الحسن الذاتي في الوضوء في الفرض المزبور وقد عرفت عدمه.
فتلخّص أنّه لو كان وجود المقتضي للوضوء في الفرض محرزا أمكن تصحيحه على القول بالترتّب في باب التزاحم بالأمر الطولي به على وجه التقييد ، وعلى القول بعدمه بالإتيان به بداعي حسنه الذاتي ، ولكن حيث إنّ المستفاد من الدليل نقصان المقتضي فلا محيص عن البطلان وفاقا للمشهور.