الأمر الثالث
افترق القائلون بوجوب مقدّمة الواجب على ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّ الواجب ذات المقدّمة بلا قيد.
الثاني : أنّه هي مقيّدة بالإيصال إلى ذي المقدّمة وترتّبه عليها ، فإن لم توصل لم تكن مطلوبة وإن قصد بها التوصل.
الثالث : أنّه هي مقيّدة بالاقتران بقصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ، وإن لم توصل إليه ، فإن وقعت مجرّدة عن هذا القصد لم يتّصف بالوجوب وإن أوصلت إلى ذيها.
وليعلم أنّ القائل بوجوب ذات المقدّمة يحتاج في بعض الموارد إلى تقييد الوجوب بصورة وقوع المقدّمة عن قصد التوصّل بها إلى ذيها لداع خارجي ، وهو ما إذا تعيّن مقدّمة الواجب في الحرام ؛ فإنّه حينئذ يحتاج إلى التقييد المذكور ، والداعي له إلى ذلك هو التحرّز عن الوقوع في الحرام مهما أمكن والاكتفاء في تسويغه بقدر الضرورة ؛ فإنّه لا شكّ في أنّ صورة الإتيان بالمقدّمة المذكورة لا عن القصد المزبور أشدّ قبحا من صورة الإتيان بها معه بالبديهة الوجدانيّة ، والتزام القائل المذكور بهذا التقييد في المورد لا يوجب التزامه به في سائر الموارد التي ليس فيها الداعي المذكور ، كما أنّ التزامه بالتقييد بوصف الإجابة لداعي الجمع بين غرضي الآمر فيما إذا تردّد المقدّمة بين مباح وحرام لا يوجب التزامه به في سائر الموارد.
ومن هنا ظهر اندفاع ما أورده على هذا القول ، القائل بوجوب المقدّمة الموصلة ، وهو أنّه يلزم على هذا القول أنّه لو توقّف فعل واجب على فعل حرام صار هذا الحرام بمجرّد ذلك جائزا بل واجبا بأيّ وجه اتّفق ولو بأن يأتي به المكلّف بدواعيه النفسانيّة من دون أن يتوصّل به إلى ذلك الواجب ، وبطلان هذا معلوم بصريح الوجدان ، وأنت عرفت أنّ القائل المذكور ملتزم في هذا المورد بالتقييد بقصد