الوجدان حاكم بأنّ المقدّمة المنفردة غير مطلوبة ، فاللازم اختيار وجه لم يخالف هذا الوجدان مع سلامته عن إشكالات التقييد بالإيصال.
وهو بأن يقال : إنّ الآمر والطالب يلاحظ ذوات مقدّمات مطلوبه بدون تقييدها بالإيصال ، ولا على وجه الإطلاق ، بل على وجه الإهمال ، لكنّها متّصفة في ذهنه بترتّب بعضها على بعض وعدم انفكاك البعض عن البعض المستلزم للإيصال إلى ذيها ، فالطلب يتعلّق بالذات المهملة لكن في ظرف ترتّب البعض على البعض ، وهذا يوجب أن لا يتّصف بالمطلوبيّة في الخارج إلّا المقدّمة التي يرتّب عليها وجود ذيها ؛ لأنّها المنطبقة على ما في ذهن الآمر ، وأمّا المقدّمة المنفردة فهي مضادّة له في وصف الانفراد وإن كانت مصداقا للذات المهملة.
والحاصل أنّ الطلب يتعلّق في الحقيقة بالمقيّد بالإيصال ، وإن لم يكن الملحوظ إلّا الذات المهملة فلا حاجة إلى التقييد ، لحصول القيد لبّا ، فهذا نظير الأعراض الذهنيّة المتقوّمة باللحاظ الخاصّ كعرض الكليّة ؛ فإنّه يعرض على الطبيعة في ظرف التجريد لكن مع قطع النظر عن وصف تجريده ؛ إذ لو لوحظ معها هذا الوصف باينت الخارجيّات ومع ذلك لا يسري منها الكليّة إلى الأفراد لما هي عليه من الاحتفاف بالخصوصيّات وعدم الاتّصاف بالتجريد ، ولازم هذا الوجه عدم حصول امتثال الأمر بالمقدّمة إلّا مقارنا لحصول امتثال الأمر بذيها.
ويشهد لما ذكرنا أنّ المقدّمات العباديّة المعتبر وقوعها على وجه العباديّة كالوضوء قد اتفق الكلّ على أنّه يعتبر فيها إتيانها بقصد غاية من الغايات التي تطلب هي لأجلها ، مع أنّه لو كان الأمر متعلّقا بذات المقدّمة بأيّ وجه اتفقت لكفى في عباديّتها الإتيان بها بداعي الأمر المقدّمي بها ولو مع العزم على عدم إتيان ذيها.
وأمّا على ما ذكرنا فطريق حصول القرب بها وجعلها عبادة هو أن يقصد بإتيانها التّوصل إلى غاية من غاياتها ، وحينئذ فإن اتّفق عدم التوصّل حصل القرب من باب الانقياد وإن لم يحصل امتثال تمام المطلوب ، وعلى هذا فنقول : إنّ الطهارة تحصل بالغسلتين والمسحتين مع اقترانها بحصول القرب ولو من باب الانقياد.